فصل 
في مسائل متفرقة . 
أحدها : ينبغي للإمام والساعي ، وكل من يفوض إليه أمر تفريق الصدقات ، أن يعتني بضبط المستحقين ، ومعرفة أعدادهم ، وأقدار حاجاتهم ، بحيث يقع الفراغ من جميع الصدقات بعد معرفتهم ، أو معها ليتعجل حقوقهم ، وليأمن هلاك المال عنده . 
الثانية : ينبغي أن يبدأ في القسمة بالعالمين ، لأن استحقاقهم أقوى ، لكونهم يأخذون معاوضة . 
قلت : هذا التقديم مستحب . والله أعلم . 
الثالثة : لا يجوز للإمام ولا للساعي أن يبيع شيئا من الزكاة  ، بل يوصلها بحالها إلى المستحقين ، إلا إذا وقعت ضرورة ، بأن أشرفت بعض الماشية على الهلاك ،   [ ص: 338 ] أو كان في الطريق خطر ، أو احتاج إلى رد جيران ، أو إلى مؤنة نقل ، فحينئذ يبيع . ولو وجبت ناقة أو بقرة أو شاة ، فليس للمالك أن يبيعها ويقسم الثمن ، بل يجمعهم ويدفعها إليهم ، وكذا حكم الإمام عند الجمهور ، وخالفهم في " التهذيب " فقال : إن رأى الإمام ذلك ، فعله ، وإن رأى أن يبيع ، باع وفرق الثمن عليهم . 
قلت : وإذا باع في الموضع الذي لا يجوز ، فالبيع باطل ، ويسترد المبيع ، فإن تلف ، ضمنه . والله أعلم . 
الرابعة : إذا دفع الزكاة إلى من ظنه مستحقا ، فبان غير مستحق ، ككافر ، وعبد ، وغني ، وذي قربى ، فالفرض يسقط عن المالك بالدفع إلى الإمام ، لأنه نائب المستحقين . 
ولا يجب الضمان على الإمام إذا بان غنيا ، لأنه لا تقصير ، ويسترد ، سواء أعلمه أنها زكاة ، أم لا ، فإن كان قد تلف ، غرمه وصرف الغرم إلى المستحقين . 
وفي باقي الصور المذكورة قولان . أظهرهما : لا يضمن ، وقيل : لا يضمن قطعا . وقيل : يضمن قطعا ، لتفريطه ، فإنها لا تخفى غالبا ، بخلاف الغني ، ولأنها أشد منافاة ، فإنها تنافي الزكاة بكل حال ، بخلافه . 
ولو دفع المالك بنفسه ، فبان المدفوع إليه غنيا ، لم يجزه على الأظهر ، بخلاف الإمام ، لأنه نائب الفقراء . وإن بان كافرا ، أو عبدا ، أو ذا قربى ، لم يجزه على الأصح . 
قلت : ولو دفع سهم المؤلفة ، أو الغازي إليه ، فبان المدفوع إليه امرأة ، فهو كما لو بان عبدا . والله أعلم . 
وإذا لم يسقط الفرض ، فإن بين أن المدفوع زكاة ، استرد إن كان باقيا ، وغرم المدفوع إليه إن كان تالفا . ويتعلق بذمة العبد إذا دفع إليه . 
وإن لم يذكر أنه زكاة ، لم يسترد ، ولا غرم ، بخلاف الإمام ، يسترد مطلقا ، لأن ما يفرقه الإمام على الأصناف ، هو الزكاة غالبا ، وغيره قد يتطوع . 
والحكم في الكفارة متى بان المدفوع إليه غير مستحق ، كحكم الزكاة . 
 [ ص: 339 ] الخامسة : في وقت استحقاق الأصناف الزكاة    . قال   الشافعي     - رحمه الله - : يستحقون يوم القسمة ، إلا العامل ، فإنه يستحق بالعمل . وقال في موضع آخر : يستحقون يوم الوجوب . 
قال الأصحاب : ليس في المسألة خلاف . بل النص الثاني محمول على ما إذا لم يكن في البلد إلا ثلاثة ، أو أقل ، ومنعنا نقل الصدقة ، فيستحقون يوم الوجوب ، حتى لو مات واحد منهم ، دفع نصيبه إلى ورثته ، وإن غاب أو أيسر ، فحقه بحاله ، وإن قدم غريب ، لم يشاركهم ، والنص الأول ، فيما إذا لم يكونوا محصورين في ثلاثة ، أو كانوا ، وجوزنا نقل الزكاة ، فيستحقون بالقسمة ، حتى لا حق لمن مات أو غاب أو أيسر بعد الوجوب وقبل القسمة ، وإن قدم غريب ، شاركهم . 
السادسة : في " فتاوى  القفال     " : أن الإمام لو لم يفرق ما اجتمع عنده من مال الزكاة من غير عذر  ، فتلف ، ضمن . والوكيل بالتفريق لو أخر ، فتلف ، لم يضمن ، لأن الوكيل لا يجب عليه التفريق ، بخلاف الإمام . 
قلت : قال أصحابنا : لو جمع الساعي الزكاة ، فتلفت في يده قبل أن تصل إلى الإمام ، استحق أجرته من بيت المال . والله أعلم . 
السابعة : قال صاحب " البحر " : لو دفع الزكاة إلى فقير وهو غير عارف بالمدفوع  ، بأن كان مشدودا في خرقة ونحوها ، لا يعرف جنسه وقدره ، وتلف في يد المسكين ، ففي سقوط الزكاة احتمالان ، لأن معرفة القابض لا تشترط ، فكذا معرفة الدافع . 
قلت : الأرجح : السقوط . وبقيت من الباب مسائل تقدمت في باب أداء الزكاة وغيره . وبقيت مسائل ، لم يذكرها  الإمام الرافعي  هنا . 
 [ ص: 340 ] منها : قال  الصيمري     : كان   الشافعي     - رحمه الله - في القديم ، يسمي ما يؤخذ من الماشية صدقة ، ومن النقدين زكاة ، ومن المعشرات عشرا فقط . ثم رجع عنه وقال : يسمى الجميع زكاة وصدقة . 
ومنها : الاختلاف . قال أصحابنا : اختلاف رب المال والساعي  على ضربين . 
أحدهما : أن يكون دعوى رب المال لا تخالف الظاهر ، والثاني : تخالفه . وفي الضربين ، إذا اتهمه الساعي ، حلفه ، واليمين في الضرب الأول مستحبة بلا خلاف . فإن امتنع عن اليمين ، ترك ولا شيء . 
وأما الضرب الثاني : فاليمين فيه مستحبة أيضا على الأصح ، وعلى الثاني : واجبة ، فإن قلنا : مستحبة ، فامتنع ، فلا شيء عليه ، وإلا أخذت منه لا بالنكول ، بل بالسبب السابق . فمن الصور التي لا يكون قوله فيها مخالفا للظاهر ، أن يقول : لم يحل الحول بعد . 
ومنها : أن يقول الساعي : كانت ماشيتك نصابا ثم توالدت ، فيضم الأولاد إلى الأمهات ، ويقول رب المال : لم تكن نصابا ، وإنما تمت نصابا بالأولاد ، فابتدأ الحول من حين التولد . 
ومنها : أن يقول الساعي : هذه السخال توالدت من نفس النصاب قبل الحول ، فقال : بل بعد الحول ، أو من غير النصاب . 
ومن الصور التي تخالف فيها الظاهر ، أن يقول الساعي : مضى عليك حول ، فقال المالك : كنت بعته في أثناء الحول ، ثم اشتريته ، أو قال : أخرجت زكاته ، وقلنا : يجوز أن يفرق بنفسه . 
وقد سبقت هذه المسألة في باب أداء الزكاة ، ولو قال : هذا المال وديعة ، فقال الساعي : بل ملكك ، فوجهان . 
أصحهما : أنه مخالف للظاهر ، وبه قطع الأكثرون ، والثاني : لا . 
ومنها : الأفضل في الزكاة  إظهار إخراجها ، ليراه غيره ، فيعمل عمله ، ولئلا يساء الظن به . 
 [ ص: 341 ] ومنها : قال   الغزالي  في " الإحياء " : يسأل الآخذ دافع الزكاة عن قدرها ، فيأخذ بعض الثمن ، بحيث يبقى من الثمن ما يدفعه إلى اثنين من صنفه . 
فإن دفع إليه الثمن بكماله ، لم يحل له الأخذ . قال : وهذا السؤال واجب في أكثر الناس ، فإنهم لا يراعون هذا ، إما لجهل ، وإما لتساهل ، وإنما يجوز ترك السؤال عن مثل هذا ، إذا لم يغلب الظن احتمال التحريم . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					