فصل 
في حكم المسح  
يباح المسح على الخف للصلاة ، وسائر ما يفتقر إلى الوضوء . وله المسح إلى إحدى غايات أربع : 
الأولى   : مضي يوم وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر  على المشهور الجديد . وفي القديم : يجوز غير مؤقت . والتفريع على الجديد . وابتداء المدة  من الحدث بعد اللبس . وأكثر ما يمكن المقيم أن يصلي من الفرائض المؤداة  ، ست صلوات إن لم يجمع . فإن جمع لمطر ، فسبع ، والمسافر ست عشرة ، وبالجمع سبع عشرة . وأما المقضيات فلا تنحصر . 
واعلم أن المسافر إنما يمسح ثلاثة أيام  إذا كان سفره طويلا ، وغير معصية ، فإن قصر سفره ، مسح يوما وليلة ، وإن كان معصية ، مسح يوما وليلة على الأصح . وعلى الثاني : لا يمسح شيئا . ويجزئ الوجهان في العاصي بالإقامة ، كالعبد المأمور بالسفر إذا أقام . 
فرع 
إذا لبس الخف في الحضر ، ثم سافر ، ومسح في السفر  ، مسح مسح مسافر ، سواء كان أحدث في الحضر ، أم لا ، وسواء سافر بعد الحدث وخروج وقت الصلاة ، أم لا ، وقال  المزني     : إن أحدث في الحضر ، مسح مسح مقيم . وقال   أبو إسحاق المروزي     : إن خرج الوقت في الحضر ولم يصل ، ثم سافر ، مسح مسح مقيم . أما إذا مسح في الحضر ثم سافر  ، فيتم مسح مقيم . والاعتبار في المسح بتمامه ، فلو مسح إحدى الخفين في الحضر ، ثم سافر ومسح الآخر في السفر  ، فله مسح مسافر ، لأنه تم مسحه في السفر . 
 [ ص: 132 ] قلت : هذا الذي جزم به الإمام  الرافعي     - رحمه الله - في مسألة المسح على أحد الخفين في الحضر ، هو الذي ذكره  القاضي حسين  وصاحب ( التهذيب ) . لكن الصحيح المختار ، ما جزم به صاحب ( التتمة ) واختاره  الشاشي     : أنه يمسح مسح مقيم ، لتلبسه بالعبادة في الحضر . والله أعلم . 
أما إذا مسح في السفر ثم أقام  ، فإن كان بعد مضي يوم وليلة فأكثر ، فقد انقضت مدته ، ويجزئه ما مضى . وإن كان قبل يوم وليلة ، تممها . وقال  المزني     : يمسح ثلث ما بقي من ثلاثة أيام ولياليهن مطلقا . ولو شك الماسح في السفر أو الحضر في انقضاء مدته  ، وجب الأخذ بانقضائها . ولو شك المسافر هل ابتدأ المسح في الحضر ، أم السفر  ؟ أخذ بالحضر ، فيقتصر على يوم وليلة ، فلو مسح في اليوم الثاني شاكا ، وصلى به ، ثم علم في اليوم الثالث أنه كان ابتدأ في السفر ، لزمه إعادة ما صلى في اليوم الثاني . وله المسح في اليوم الثالث ، فإن كان مسح في اليوم الأول ، واستمر على الطهارة فلم يحدث في اليوم الثاني ، فله أن يصلي في الثالث بذلك المسح ، لأنه صحيح . فإن كان أحدث في الثاني ، ومسح شاكا ، وبقي على تلك الطهارة ، لم يصح مسحه ، فيجب إعادة المسح . وفي وجوب استئناف الوضوء القولان في الموالاة . وقال صاحب ( الشامل ) يجزئه المسح مع الشك . والصحيح الأول . 
الغاية الثانية : نزع الخفين أو أحدهما  ، فإن وجد ذلك وهو على طهارة مسح ، لزمه غسل الرجلين ، ولا يلزمه استئناف الوضوء على الأظهر . واختلف في أصل القولين ، فقيل : بنفسيهما ، وقيل : مبنيان على تفريق الوضوء ، وضعفه الأصحاب . وقيل : على أن بعض الطهارة هل يختص بالانتقاض ، أم يلزمه من انتقاض بعضها انتقاض جميعها ؟ وقيل : مبنيان على أن مسح الخف يرفع الحدث عن الرجل ، أم لا ؟ فإن قلنا : لا يرفع ، اقتصر على غسل الرجلين ، وإلا استأنف الوضوء . 
قلت : الأصح عند الأصحاب أن مسح الخف يرفع الحدث عن الرجل ، كمسح   [ ص: 133 ] الرأس . ولو خرج الخف عن صلاحية المسح ، لضعفه ، أو تخرقه ، أو غير ذلك ، فهو كنزعه . ولو انقضت المدة ، أو ظهرت الرجل وهو في صلاة  ، بطلت . فلو لم يبق من المدة إلا ما يسع ركعة ، فافتتح ركعتين ، فهل يصح الافتتاح وتبطل صلاته عند انقضاء المدة  ، أم لا تنعقد ؟ وجهان في ( البحر ) أصحهما : الانعقاد . وفائدتهما : أنه لو اقتدى به إنسان عالم بحاله ، ثم فارقه عند انقضاء المدة ، هل تصح صلاته ، أم لا تنعقد ؟ فيه الوجهان ، وفيما لو أراد الاقتصار على ركعة . والله أعلم . 
الغاية الثالثة : أن يلزم الماسح غسل جنابة ، أو حيض ، أو نفاس ، فيجب استئناف اللبس بعده . 
الغاية الرابعة : إذا نجست رجله في الخف ولم يمكن غسلها فيه  ، وجب النزع لغسلها . فإن أمكن غسلها فيه فغسلها ، لم يبطل المسح . 
فرع 
سليم الرجلين إذا لبس خفا في إحداهما  ، لا يصح مسحه . فلو لم يكن له إلا رجل ، جاز المسح على خفها ، ولو بقيت من الرجل الأخرى بقية ، لم يجز المسح حتى يواريها بما يجوز المسح عليه . 
قلت : لو كان إحدى رجليه عليلة ، بحيث لا يجب غسلها ، فلبس الخف في الصحيحة  ، قطع  الدارمي  بصحة المسح عليه . وصاحب ( البيان ) بالمنع . وهو الأصح ، لأنه يجب التيمم عن الرجل العليلة ، فهي كالصحيحة . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					