[ المسألة الثانية ]  
[ في انتباذ الخليطين ]  
وأما المسألة الثانية ( وهي  انتباذ الخليطين      ) : فإن الجمهور قالوا بتحريم الخليطين من الأشياء التي من شأنها أن تقبل الانتباذ . وقال قوم : بل الانتباذ مكروه . وقال قوم : هو مباح . وقال قوم : كل خليطين فهما حرام وإن لم يكونا مما يقبلان الانتباذ فيما أحسب الآن .  
والسبب في اختلافهم : ترددهم في هل النهي الوارد في ذلك هو على الكراهة أو على الحظر ؟ وإذا قلنا : إنه على الحظر ; فهل يدل على فساد المنهي عنه أم لا ؟ وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام : "  أنه نهى عن أن يخلط التمر والزبيب ، والزهو والرطب ، والبسر والزبيب     " وفي بعضها : أنه قال عليه الصلاة والسلام : "  لا تنتبذوا الزهو والزبيب جميعا ، ولا التمر والزبيب جميعا ، وانتبذوا كل واحد منهما على حدة     " . فيخرج في ذلك بحسب التأويل الأقاويل الثلاثة : قول بتحريمه ، وقول بتحليله مع الإثم في الانتباذ ، وقول بكراهية ذلك .  
وأما من قال : إنه مباح ، فلعله اعتمد في ذلك عموم الأثر بالانتباذ في حديث   أبي سعيد الخدري     .  
وأما من منع كل خليطين : فإما أن يكون ذهب إلى أن علة المنع هو الاختلاط لا ما يحدث عن الاختلاط من الشدة في النبيذ ، وإما أن يكون قد تمسك بعموم ما ورد أنه نهى عن الخليطين .  
وأجمعوا على أن  الخمر إذا تخللت من ذاتها   جاز أكلها . واختلفوا إذا قصد تخليلها على ثلاثة أقوال : التحريم ، والكراهية ، والإباحة .  
 [ ص: 392 ] وسبب اختلافهم : معارضة القياس للأثر ، واختلافهم في مفهوم الأثر . وذلك أن  أبا داود  خرج من حديث   أنس بن مالك  أن  أبا طلحة  سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن أيتام ورثوا خمرا ، فقال : "  أهرقها ، قال : أفلا أجعلها خلا ؟ قال : لا     " .  
فمن فهم من المنع سد ذريعة حمل ذلك على الكراهية . ومن فهم النهي لغير علة قال بالتحريم . ويخرج على هذا أن لا تحريم أيضا على مذهب من يرى أن النهي لا يعود بفساد المنهي .  
والقياس المعارض لحمل الخل على التحريم : أنه قد علم من ضرورة الشرع أن الأحكام المختلفة إنما هي للذوات المختلفة ، وأن الخمر غير ذات الخل ، والخل بإجماع حلال ، فإذا انتقلت ذات الخمر إلى ذات الخل وجب أن يكون حلالا كيفما انتقل .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					