[ ص: 604 ] بسم الله الرحمن الرحيم .  
وصلى الله على سيدنا  محمد   وعلى آله وصحبه وسلم .  
كتاب الشفعة .  
والنظر في الشفعة أولا قسمين : القسم الأول : في تصحيح هذا الحكم ، وفي أركانه .  
القسم الثاني : في أحكامه .  
القسم الأول .  
[ في تصحيح هذا الحكم ، وفي أركانه ] .  
فأما  وجوب الحكم بالشفعة      : فالمسلمون متفقون عليه ، لما ورد في ذلك من الأحاديث الثابتة ، إلا ما يتأمل على من لا يرى بيع الشقص المشاع . [ قال في النهاية : . . . الشقص والشقيص : النصيب في العين المشتركة من كل شيء . دار الحديث ] ،  وأركانها   أربعة : الشافع ، والمشفوع عليه ، والمشفوع فيه ، وصفة الأخذ بالشفعة .  
الركن الأول .  
وهو  الشافع      .  
ذهب  مالك  ،   والشافعي  ،  وأهل  المدينة    إلى أن لا شفعة إلا للشريك ما لم يقاسم . وقال  أهل  العراق       : الشفعة مرتبة ،  فأولى الناس بالشفعة   الشريك الذي لم يقاسم ، ثم الشريك المقاسم إذا بقيت في الطرق أو في الصحن شركة ، ثم الجار الملاصق . وقال  أهل  المدينة       : لا شفعة للجار ولا للشريك المقاسم .  
وعمدة  أهل  المدينة    مرسل  مالك  ، عن   ابن شهاب  ، عن   أبي سلمة بن عبد الرحمن  ،   وسعيد بن المسيب     : "  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء ، فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة     " ، وحديث  جابر  أيضا :    " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة     " خرجه  مسلم  ،   والترمذي  ،  وأبو داود     . وكان   أحمد بن حنبل  يقول : حديث  معمر  ، عن   الزهري  ، عن   أبي سلمة بن عبد الرحمن  أصح ما روي في الشفعة . وكان   ابن معين  يقول : مرسل  مالك  أحب إلي; إذ كان  مالك  إنما رواه عن   ابن شهاب  موقوفا ، وقد جعل قوم هذا الاختلاف على   ابن شهاب  في إسناده توهينا له ، وقد روي عن  مالك  في غير الموطإ عن   ابن شهاب  ، عن   أبي هريرة  ، ووجه استدلالهم من هذا الأثر ما ذكر فيه من  أنه إذا وقعت الحدود فلا شفعة  ، وذلك أنه إذا كانت الشفعة غير واجبة للشريك المقاسم ، فهي أحرى أن لا تكون واجبة للجار ، وأيضا فإن الشريك المقاسم هو جار إذا قاسم .  
وعمدة  أهل  العراق       : حديث  رافع  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :    " الجار أحق بصقبه     " ، وهو حديث متفق عليه . وخرج  الترمذي  ،  وأبو داود  عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : "  جار الدار أحق بدار الجار     " ، وصححه  الترمذي     . ومن طريق المعنى لهم أيضا أنه لما كانت الشفعة إنما المقصود منها دفع الضرر الداخل من      [ ص: 605 ] الشركة ، وكان هذا المعنى موجودا في الجار وجب أن يلحق به . ولأهل  المدينة   أن يقولوا : وجود الضرر في الشركة أعظم منه في الجوار . وبالجملة : فعمدة المالكية أن الأصول تقتضي أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا برضاه ، وأن من اشترى شيئا فلا يخرج من يده إلا برضاه حتى يدل الدليل على التخصيص ، وقد تعارضت الآثار في هذا الباب ، فوجب أن يرجح ما شهدت له الأصول ، ولكلا القولين سلف متقدم  لأهل  العراق    من التابعين  لأهل  المدينة    من الصحابة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					