[ ص: 623 ] بسم الله الرحمن الرحيم .  
وصلى الله على سيدنا  محمد   وآله وصحبه وسلم تسليما .  
كتاب الحجر .  
والنظر في هذا الكتاب في ثلاثة أبواب :  
الباب الأول : في أصناف المحجورين .  
الثاني : متى يخرجون من الحجر ، ومتى يحجر عليهم ، وبأي شروط يخرجون ؟  
الثالث : في معرفة أحكام أفعالهم في الرد ، والإجازة .  
الباب الأول .  
في أصناف المحجورين .  
أجمع العلماء على وجوب  الحجر على الأيتام   الذين لم يبلغوا الحلم لقوله تعالى : (  وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح      ) الآية . واختلفوا في  الحجر على العقلاء الكبار إذا ظهر منهم تبذير لأموالهم      :  
فذهب  مالك  ،   والشافعي  ،  وأهل  المدينة    ، وكثير من  أهل  العراق    إلى جواز ابتداء الحجر عليهم بحكم الحاكم ، وذلك إذا ثبت عنده سفههم وأعذر إليهم فلم يكن عندهم مدفع ، وهو رأي   ابن عباس  ،  وابن الزبير     .  
وذهب  أبو حنيفة  ، وجماعة من  أهل  العراق    إلى أنه لا يبتدأ الحجر على الكبار ، وهو قول  إبراهيم  ،   وابن سيرين  ، وهؤلاء انقسموا قسمين : فمنهم من قال : الحجر لا يجوز عليهم بعد البلوغ بحال ، وإن ظهر منهم التبذير . ومنهم من قال : إن استصحبوا التبذير من الصغر يستمر الحجر عليهم ، وإن ظهر منهم رشد بعد البلوغ ، ثم ظهر منهم سفه ، فهؤلاء لا يبدأ بالحجر عليهم .  وأبو حنيفة  يحد في ارتفاع الحجر ، وإن ظهر سفهه خمسة وعشرين عاما .  
وعمدة من أوجب على الكبار ابتداء الحجر : أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير الذي يوجد فيهم غالبا ، فوجب أن يجب الحجر على من وجد فيه هذا المعنى ، وإن لم يكن صغيرا ، قالوا : ولذلك اشترط في رفع الحجر عنهم مع ارتفاع الصغر إيناس الرشد ، قال الله تعالى : (  فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم      ) ، فدل هذا على أن  السبب المقتضي للحجر   هو السفه .  
وعمدة الحنفية : حديث  حبان بن منقذ     : "  إذ ذكر فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع ، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثا ، ولم يحجر عليه     " . وربما قالوا : الصغر هو المؤثر في منع التصرف بالمال ، بدليل تأثيره في إسقاط التكليف ، وإنما اعتبر الصغر; لأنه الذي يوجد فيه السفه غالبا ، كما يوجد نقص العقل غالبا; ولذلك جعل البلوغ علامة وجوب التكليف وعلامة الرشد ، إذ كانا يوجدان فيه غالبا ( أعني : العقل والرشد ) ، وكما لم يعتبر النادر في التكليف ( أعني : أن يكون قبل البلوغ عاقلا فيكلف; كذلك لم      [ ص: 624 ] يعتبر النادر في السفه ، وهو أن يكون بعد البلوغ سفيها فيحجر عليه ، كما لو يعتبر كونه قبل البلوغ رشيدا . قالوا : وقوله تعالى : (  ولا تؤتوا السفهاء أموالكم      ) الآية ، ليس فيها أكثر من منعهم من أموالهم ، وذلك لا يوجب فسخ بيوعها وإبطالها .  
والمحجورن عند  مالك  ستة : الصغير ، والسفيه ، والعبد ، والمفلس ، والمريض ، والزوجة . وسيأتي ذكر كل واحد منهم في بابه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					