فصل  
ويظهر من هنا أيضا أن  البناء على المقاصد الأصلية يصير تصرفات المكلف كلها عبادات   ، كانت من قبيل العبادات أو العادات ; لأن المكلف إذا فهم مراد الشارع من قيام أحوال الدنيا ، وأخذ في العمل على مقتضى ما فهم ، فهو إنما يعمل من حيث طلب منه العمل ، ويترك إذا طلب منه الترك فهو أبدا في إعانة الخلق على ما هم عليه من إقامة المصالح باليد واللسان والقلب .  
أما باليد ; فظاهر في وجوه الإعانات .  
 [ ص: 338 ] وأما باللسان ; فبالوعظ والتذكير بالله أن يكونوا فيما هم عليه مطيعين لا عاصين ، وتعليم ما يحتاجون إليه في ذلك من إصلاح المقاصد والأعمال ، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبالدعاء بالإحسان لمحسنهم والتجاوز عن مسيئهم .  
وبالقلب لا يضمر لهم شرا ، بل يعتقد لهم الخير ، ويعرفهم بأحسن الأوصاف التي اتصفوا بها ولو بمجرد الإسلام ، ويعظمهم ويحتقر نفسه بالنسبة إليهم ، إلى غير ذلك من الأمور القلبية المتعلقة بالعباد .  
بل لا يقتصر في هذا على جنس الإنسان ، ولكن تدخل عليه الشفقة على الحيوانات كلها ، حتى لا يعاملها إلا بالتي هي أحسن ، كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام :  في كل ذي كبد رطبة أجر  ، وحديث تعذيب المرأة في هرة ربطتها ، وحديث :  إن الله كتب الإحسان على كل مسلم ، فإذا قتلتم ;      [ ص: 339 ] فأحسنوا القتلة  الحديث إلى أشباه ذلك .  
فالعامل بالمقاصد الأصلية عامل في هذه الأمور في نفسه امتثالا لأمر ربه ، واقتداء بنبيه عليه الصلاة والسلام ; فكيف لا تكون تصاريف من هذه سبيله عبادة كلها ؟ بخلاف من كان عاملا على حظه ; فإنه إنما يلتفت إلى حظه أو ما كان طريقا إلى حظه ، وهذا ليس بعبادة على الإطلاق ، بل هو عامل في مباح إن لم يخل بحق الله أو بحق غيره فيه ، والمباح لا يتعبد إلى الله به ، وإن فرضناه قام على حظه من حيث أمره الشارع ; فهو عبادة بالنسبة إليه خاصة ، وإن فرضته كذلك فهو خارج عن داعية حظه بتلك النسبة .  
				
						
						
