[ ص: 158 ] المسألة الثالثة  
كل حكاية وقعت في القرآن ; فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها وهو الأكثر رد لها أو لا   ، فإن وقع رد فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه ، وإن لم يقع معها رد فذلك دليل صحة المحكي وصدقه .  
أما الأول ; فظاهر ، ولا يحتاج إلى برهان ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى :  إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء      [ الأنعام : 91 ] فأعقب بقوله :  قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى   الآية [ الأنعام : 91 ] وقال :  وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا   الآية [ الأنعام : 136 ] فوقع التنكيت على افتراء ما زعموا بقوله : بزعمهم [ الأنعام : 138 ] وبقوله  ساء ما يحكمون      [ الأنعام : 136 ] ثم قال :  وقالوا هذه أنعام وحرث حجر      [ الأنعام : 138 ] إلى تمامه ورد بقوله :  سيجزيهم بما كانوا يفترون      [ الأنعام : 138 ] ثم قال :  وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة   الآية [ الأنعام : 139 ]      [ ص: 159 ] فنبه على فساده بقوله :  سيجزيهم وصفهم      [ الأنعام : 139 ] زيادة على ذلك .  
وقال تعالى :  وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون      [ الفرقان : 4 ] فرد عليهم بقوله :  فقد جاءوا ظلما وزورا      [ الفرقان : 4 ] ثم قال :  وقالوا أساطير الأولين   الآية [ الفرقان : 5 ] فرد بقوله :  قل أنزله الذي يعلم السر   الآية [ الفرقان : 6 ] ثم قال :  وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا      [ الفرقان : 8 ] ثم قال تعالى :  انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا      [ الفرقان : 9 ] وقال تعالى :  وقال الكافرون هذا ساحر كذاب   أجعل الآلهة إلها واحدا   إلى قوله :  أؤنزل عليه الذكر من بيننا      [ ص : 4 8 ] ثم رد عليهم بقوله :  بل هم في شك من ذكري      [ ص : 8 ] إلى آخر ما هنالك .  
وقال  وقالوا اتخذ الله ولدا      [ البقرة : 116 ، وغيرها ] ثم رد عليهم بأوجه كثيرة ثبتت في أثناء القرآن ; كقوله :  بل عباد مكرمون      [ الأنبياء : 26 ] وقوله :  بل له ما في السماوات والأرض      [ البقرة : 116 ] وقوله :  سبحانه هو الغني   الآية [ يونس : 68 ]      [ ص: 160 ] وقوله :  تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض      [ مريم : 90 ] إلى آخره ، وأشباه ذلك .  
ومن قرأ القرآن وأحضره في ذهنه عرف هذا بيسر .  
وأما الثاني ; فظاهر أيضا ، ولكن الدليل على صحته من نفس الحكاية وإقرارها ، فإن القرآن سمي فرقانا ، وهدى ، وبرهانا ، وبيانا ، وتبيانا لكل شيء ، وهو حجة الله على الخلق على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم ، وهذا المعنى يأبى أن يحكى فيه ما ليس بحق ثم لا ينبه عليه .  
وأيضا ; فإن جميع ما يحكى فيه من شرائع الأولين وأحكامهم ، ولم ينبه على إفسادهم وافترائهم فيه ; فهو حق يجعل عمدة عند طائفة في شريعتنا ، ويمنعه قوم ، لا من جهة قدح فيه ، ولكن من جهة أمر خارج عن ذلك ; فقد اتفقوا على أنه حق وصدق كشريعتنا ، ولا يفترق ما بينهما إلا بحكم النسخ فقط ، ولو نبه على أمر فيه لكان في حكم التنبيه على الأول ; كقوله تعالى :  وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه   الآية [ البقرة : 75 ] وقوله :  يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه    [ ص: 161 ] الآية [ المائدة : 41 ] وكذلك قوله تعالى :  من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين      [ النساء : 46 ] فصار هذا من النمط الأول .  
ومن أمثلة هذا القسم جميع ما حكي عن المتقدمين من الأمم السالفة مما كان حقا ; كحكايته عن الأنبياء والأولياء ، ومنه قصة  ذي القرنين  ، وقصة  الخضر  مع  موسى   عليه السلام ، وقصة  أصحاب الكهف   ، وأشباه ذلك .  
				
						
						
