[ ص: 167 ] المسألة الرابعة  
إذا ورد في القرآن الترغيب قارنه الترهيب في لواحقه أو سوابقه أو قرائنه وبالعكس   ، وكذلك الترجية مع التخويف ، وما يرجع إلى هذا المعنى مثله ، ومنه ذكر أهل الجنة يقارنه ذكر أهل النار وبالعكس ; لأن في ذكر أهل الجنة بأعمالهم ترجية وفي ذكر أهل النار بأعمالهم تخويفا فهو راجع إلى الترجية والتخويف .  
ويدل على هذه الجملة عرض الآيات على النظر ; فأنت ترى أن الله جعل الحمد فاتحة كتابه ، وقد وقع فيه :  اهدنا الصراط المستقيم   صراط الذين أنعمت عليهم      [ الفاتحة : 6 7 ] إلى آخرها فجيء بذكر الفريقين ، ثم بدئت سورة البقرة بذكرها أيضا فقيل هدى للمتقين ثم قال  إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم      [ البقرة : 6 ] ثم ذكر بإثرهم المنافقون ، وهو صنف من الكفار فلما تم ذلك أعقب بالأمر بالتقوى ثم بالتخويف بالنار ، وبعده بالترجية ; فقال :  فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار   إلى قوله :  وبشر الذين آمنوا   الآية [ البقرة : 24 25 ] ثم قال :  إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا   الآية [ البقرة : 26 ]      [ ص: 168 ] 
ثم ذكر في قصة  آدم   مثل هذا ، ولما ذكر  بنو إسرائيل   بنعم الله عليهم ثم اعتدائهم وكفرهم ; قيل :  إن الذين آمنوا والذين هادوا   إلى قوله  هم فيها خالدون      [ البقرة : 62 81 ] ثم ذكر تفاصيل ذلك الاعتداء إلى أن ختم بقوله :  ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون      [ البقرة : 102 ] وهذا تخويف .  
ثم قال  ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة   الآية [ البقرة : 103 ] وهو ترجية ثم شرع في ذكر ما كان من شأن المخالفين في تحويل القبلة ، ثم قال :  بلى من أسلم وجهه لله   الآية [ البقرة : 112 ] .  
ثم ذكر من شأنهم  الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون      [ البقرة : 121 ] ثم ذكر قصة  إبراهيم   عليه السلام وبنيه ، وذكر في أثنائها التخويف والترجية ، وختمها بمثل ذلك ، ولا يطول عليك زمان إنجاز الوعد في هذا الاقتران ; فقد يكون بينهما أشياء معترضة في أثناء المقصود ، والرجوع بعد إلى ما تقرر      [ ص: 169 ] وقال تعالى في سورة الأنعام ، وهي في المكيات نظير سورة البقرة في المدنيات :  الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض      [ الأنعام : 1 ] إلى قوله  ثم الذين كفروا بربهم يعدلون      [ الأنعام : 1 ] وذكر البراهين التامة ، ثم أعقبها بكفرهم وتخويفهم بسببه ، إلى أن قال :  كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه      [ الأنعام : 12 ] فأقسم بكتب الرحمة على إنفاذ الوعيد على من خالف ، وذلك يعطي التخويف تصريحا ، والترجية ضمنا ثم قال :  إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم      [ الأنعام : 15 ] فهذا تخويف .  
وقال :  من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه   الآية [ الأنعام : 16 ] وهذا ترجية .  
وكذا قوله :  وإن يمسسك الله بضر   الآية [ الأنعام : 17 ] ثم مضى في ذكر التخويف ، حتى قال :  وللدار الآخرة خير للذين يتقون      [ الأنعام : 32 ] ثم قال :  إنما يستجيب الذين يسمعون      [ الأنعام : 36 ] ونظيره قوله :  والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات   الآية [ الأنعام : 39 ] ثم جرى ذكر ما يليق بالموطن إلى أن قال  وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح   الآية [ الأنعام : 48 ]      [ ص: 170 ] واجر في النظر على هذا الترتيب ، يلح لك وجه الأصل المنبه عليه ، ولولا الإطالة لبسط من ذلك كثير .  
				
						
						
