[ ص: 184 ] المسألة السادسة  
القرآن فيه بيان كل شيء على ذلك الترتيب المتقدم ; فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة ، ولا يعوزه منها شيء ، والدليل على ذلك أمور : منها النصوص القرآنية ، من قوله :  اليوم أكملت لكم دينكم   الآية [ المائدة : 3 ] وقوله :  ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء      [ النحل : 89 ] وقوله :  ما فرطنا في الكتاب من شيء      [ الأنعام : 38 ] وقوله :  إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم      [ الإسراء : 9 ] يعني : الطريق المستقيمة ، ولو لم يكمل فيه جميع معانيها ; لما صح إطلاق هذا المعنى عليه حقيقة .  
وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما في الصدور ، ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كل شيء .  
ومنها : ما جاء من الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك ; كقوله عليه الصلاة والسلام :  إن هذا القرآن حبل الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة      [ ص: 185 ] لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد  إلخ ; فكونه حبل الله بإطلاق ، والشفاء النافع إلى تمامه دليل على كمال الأمر فيه ونحو هذا في حديث  علي  عن النبي عليه الصلاة والسلام      [ ص: 186 ] وعن   ابن مسعود  إن كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه ، وإن أدب الله القرآن     .  
وسئلت  عائشة  عن  خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم   فقالت : كان خلقه القرآن  ، وصدق ذلك قوله :  وإنك لعلى خلق عظيم      [ القلم : 4 ]  وعن  قتادة     : ما جالس القرآن أحد إلا فارقه بزيادة أو نقصان ، ثم قرأ :  وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا      [ الإسراء : 82 ]  وعن   محمد بن كعب القرظي  في قول الله تعالى :  إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان      [ آل عمران : 193 ] قال : هو القرآن ، ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم   [ ص: 187 ] وفي الحديث :  يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله  ، وما ذاك إلا أنه أعلم بأحكام الله ; فالعالم بالقرآن عالم بجملة الشريعة .  
وعن  عائشة     : أن من قرأ القرآن ; فليس فوقه أحد     .  
وعن  عبد الله     ; قال إذا أردتم العلم ; فأثيروا القرآن ، فإن فيه علم الأولين والآخرين   [ ص: 188 ] وعن   عبد الله بن عمرو  قال : من جمع القرآن ; فقد حمل أمرا عظيما ، وقد أدرجت النبوة بين جنبيه ; إلا أنه لا يوحى إليه      [ ص: 189 ] وفي رواية عنه : من قرأ القرآن ; فقد اضطربت النبوة بين جنبيه  وما ذاك إلا أنه جامع لمعاني النبوة ، وأشباه هذا مما يدل على هذا المعنى .  
ومنها : التجربة وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها فيه أصلا ، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظواهر الذين ينكرون القياس ، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل ، وقال   ابن حزم الظاهري     : كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة ، نعلمه والحمد لله ، حاش القراض ; فما وجدنا له أصلا فيهما ألبتة إلى آخر ما قال ، وأنت تعلم أن القراض نوع من أنواع الإجارة ، وأصل الإجارة في القرآن ثابت ، وبين ذلك إقراره عليه الصلاة      [ ص: 190 ] والسلام وعمل الصحابة به ولقائل أن يقول : إن هذا غير صحيح لما ثبت في الشريعة من المسائل والقواعد غير الموجودة في القرآن ، وإنما وجدت في السنة ، ويصدق ذلك ما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام :  لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدرى ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه  ، وهذا ذم ومعناه اعتماد السنة أيضا      [ ص: 191 ] ويصححه قول الله تعالى :  فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول   الآية [ النساء : 59 ] .  
قال   ميمون بن مهران     : الرد إلى الله الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول إذا كان حيا فلما قبضه الله ; فالرد إلى سنته     .  
ومثله :  وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم   الآية [ الأحزاب : 36 ]      [ ص: 192 ] ولا يقال : إن السنة يؤخذ بها على أنها بيان لكتاب الله لقوله :  لتبين للناس ما نزل إليهم      [ النحل : 44 ] وهو جمع بين الأدلة لأنا نقول : إن كانت السنة بيانا للكتاب ; ففي أحد قسميها ، فالقسم الآخر زيادة على حكم الكتاب ; كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو على خالتها وتحريم الحمر الأهلية ، وكل ذي ناب من السباع .  
وقيل   لعلي بن أبي طالب     : هل عندكم كتاب ؟ قال : لا إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة قال : قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر   [ ص: 193 ] وهذا وإن كان فيه دليل على أنه لا شيء عندهم إلا كتاب الله ; ففيه دليل أن عندهم ما ليس في كتاب الله ، وهو خلاف ما أصلت .  
والجواب عن ذلك مذكور في الدليل الثاني ، وهو السنة بحول الله .  
ومن نوادر الاستدلال القرآني ما نقل  عن  علي  أن أقل الحمل ستة أشهر  انتزاعا من قوله تعالى :  وحمله وفصاله ثلاثون شهرا      [ الأحقاف : 15 ] مع قوله :  وفصاله في عامين      [ لقمان : 14 ]      [ ص: 194 ] واستنباط   مالك بن أنس  أن من سب الصحابة فلا حظ له في الفيء من قوله :  والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا   الآية [ الحشر : 10 ]      [ ص: 195 ] وقول من قال : الولد لا يملك  وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون      [ الأنبياء : 26 ] وقول  ابن العربي     : إن الإنسان قبل أن يكون علقة لا يسمى إنسانا من قوله  خلق الإنسان من علق      [ العلق : 2 ] واستدلال   منذر بن سعيد  على أن العربي غير مطبوع على العربية بقوله  والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا      [ النحل : 78 ] وأغرب ذلك استدلال  ابن الفخار القرطبي  على أن الإيماء بالرءوس إلى جانب عند الإباية ، والإيماء بها سفلا عند الإجابة أولى مما يفعله      [ ص: 196 ] المشارقة من خلاف ذلك بقوله تعالى :  لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون   الآية [ المنافقون : 5 ] . وكان   أبو بكر الشبلي الصوفي  إذا لبس شيئا خرق فيه موضعا ; فقال له  ابن مجاهد     : أين في العلم إفساد ما ينتفع به ؟ فقال  فطفق مسحا بالسوق والأعناق      [ ص : 33 ] ثم قال  الشبلي     : أين في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه ؟ فسكت  ابن مجاهد  وقال له : قل : قال قوله  وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه   الآية [ المائدة : 18 ] . واستدل بعضهم على منع سماع المرأة بقوله تعالى :  ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه   الآية [ الأعراف : 143 ]      [ ص: 197 ] وفي بعض هذه الاستدلالات نظر  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					