قال قائل : فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤكد أمر المتعة على المطلقين ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم  لفاطمة ابنة قيس  في حديث  الليث  الذي رويناه في الباب الذي قبل هذا ، عن  عبد الله بن يزيد  ، عن  أبي سلمة ،  عن  فاطمة ابنة قيس :  ليس لك نفقة ولا سكنى ، ولكن متاع بالمعروف . 
ففي قوله صلى الله عليه وسلم : ليس لك نفقة ولا سكنى ، ولكن متاع بالمعروف ، دليل على وجوب المتاع لها ، وإنه بضد السكنى والنفقة الساقطين عنه . 
قيل له : في هذا الحديث ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكم لها بذلك ، وأنه إنما كان منه لها بطريق الفتيا ، لأن فيه أن عياش بن أبي ربيعة  قال لها : ما لك علينا من نفقة ، ولا من سكنى ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه وكان الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فتيا جوابا لسؤالها . 
وأما  أبو حنيفة  ،  وزفر  ،  وأبو يوسف  ، ومحمد  فكانوا يجعلون للمطلقات جميعا المتعة اختيارا ، لا وجوبا يحكمون به غير المطلقة قبل الدخول ، ولم يسم لها صداق ، فإنهم كانوا يوجبون لها المتعة ، ويحكمون بها لها على مطلقها . 
وأما  مالك بن أنس  رحمه الله فحدثنا يونس  ، قال أخبرنا  ابن وهب  ، قال : سئل  مالك  عن الرجل يطلق المرأة قبل أن يدخل بها ، ولم يفرض لها ، أيقضى عليه بالمتعة ؟ فقال :  لا يقضى بها ، إنما قال الله عز وجل : ( حقا على المتقين   ) ، وقال عز وجل : ( حقا على المحسنين   ) ، فذلك مما ينبغي له أن يفعله ، ومما يؤمر به ، فأما أن يقضى به عليه فلا . 
قال : وقال لي  مالك  في المختلعة والملاعنة والمبارئة : ليس لواحدة منهن متاع .  
 [ ص: 371 ] وأما  الشافعي  فذكر لنا  المزني ،  قال قال  الشافعي   : المتعة للمطلقات ، والمتعة على كل زوج طلق ، ولكل زوجة ، إذا كان الفراق من قبله ، أو يتم به مثل أن يطلق ، أو يخالع ، أو يملك ، وإذا كان الفراق من قبلها فلا متعة لها ولا مهر ، لأنها ليست بمطلقة ، ولكن إذا كانت أمة فباعها سيدها من زوجها فهو أفسد النكاح بابتياعه إياها وأما الملاعنة فإن ذلك منه ومنها ، ولأنه إن شاء أمسكها ، فهي كالمطلقة وأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه ، فلها عندي المتعة ، والله أعلم . 
قال  المزني :  هذا عندي غلط ، وقياس قوله : أن لا متعة لها ، لأن الفراق من قبلها دونه . 
ولما اختلفوا في المتعة هذا الاختلاف ، ولم نجد عن أحد قط سواهم من أهل العلم فيها قولا ، إلا ما قد دخل في هذه الأقوال التي ذكرناها في هذا الباب ، ولم نجدهم اتفقوا على وجوبها ، وإلزام الزوج إياها في موضع من المواضع التي يأمرونه بها فيها ، ولم يكن إيجابها على الزوج مما يدرك بالقياس ، ولم نجدها واجبة في كتاب الله ، ولا سنة ، ولا إجماعا ، ولم نجد لها مثلا نعطفها عليه ونردها إليه ، ولم نردها إلى الأصدقة إذ كانت الأصدقة أضدادا لها من ذلك إنا رأينا الرجل إذا تزوج المرأة على صداق مسمى ، فإن طلقها قبل أن يدخل بها وجب لها نصف ذلك الصداق . 
ورأيناه لو مات أحدهما قبل الدخول وجب للمرأة الصداق كله ، وكانت الفرقة بالموت أوكد حالا في إيجاب الأصدقة للزوجات ، ورأينا أهل الأقوال الذين ذكرنا في المنع يقولون : إذا مات الزوج فالمتعة غير محكوم بها في ماله فكانت المتعة تسقط بإجماعهم في الموضع الذي يجب فيه الصداق بإجماعهم في الموضع الذي يجب فدل ذلك على أنها ضد للصداق ، لا مثل ولما كانت كذلك كان الأولى بنا أن لا نجعل شيئا على أحد واجبا محكوما به عليه حتى نعلم وجوب ذلك عليه ، فثبت بذلك أن لا متعة واجبة على أحد بعد طلاق قبله دخول ، أو لا دخول قبله كما قال  مالك  فيما حكيناه عنه في هذا الباب . 
 [ ص: 372 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					