[ ص: 292 ]    61 - فصل  
في كراهة  الدخول في أرض الخراج   ، وما نقل عن السلف في ذلك .  
قال  أبو عبيد     : حدثنا  إسماعيل   ويحيى بن سعيد  عن   سعيد بن أبي عروبة  عن  قتادة  عن  سفيان العقيلي  عن  أبي عياض  عن  عمر  رضي الله عنه قال : " لا تشتروا رقيق أهل الذمة ، فإنهم أهل خراج وأرضهم فلا تتبايعوها ، ولا يقرن أحدكم بالصغار بعد إذ أنجاه الله     [ منه ] " .  
 [ ص: 293 ] وقد ذكر  الأنصاري  عن  أبي عقيل بشير بن عقبة  عن  الحسن  قال : قال  عمر  رضي الله عنه : " لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا أرضيهم " قال : فقلت  للحسن     : ولم ؟ قال : لأنهم فيء للمسلمين     .  
 [ ص: 294 ] وقد ذكر الإمام  أحمد  هذا الأثر عن  يزيد  ثنا  سعيد  عن  قتادة     .  
وقال  حنبل     :  سمعت  أبا عبد الله  قال : وأراد  عمر  أن يوفر الجزية ; لأن المسلم إذا اشتراه سقط عنه أداء ما يؤخذ منه والذمي يؤدي عنه وعن مملوكه خراج جماجمهم ، إذا كانوا عبيدا أخذ منهم جميعا الجزية     .  
وقال   إسحاق بن منصور     : قلت  لأبي عبد الله     : قول  عمر     : " لا تشتروا  رقيق أهل الذمة      " قال : لأنهم أهل خراج يؤدي بعضهم عن بعض فإذا صار إلى المسلم انقطع عنه ذلك .  
وفي المسألة عن  أحمد  روايتان منصوصتان .  
إحداهما : لا جزية عليه .  
والثانية : عليه الجزية وهو ظاهر كلام  الخرقي  فيؤديها عنه سيده ، وهو ظاهر المنقول عن  عمر  وعلي  رضي الله عنهما .  
قال  أحمد     : ثنا  يحيى  ، ثنا  عبد الوهاب  عن  سعيد  عن  قتادة  أن  عليا  رضي الله عنه كان يكره ذلك : " يعني شراء رقيقهم " ، ويقول : من أجل أن عليهم خراجا للمسلمين     .  
 [ ص: 295 ] وظاهر الأحاديث وجوبها على الرقيق ، فإنه لم يجيء في حديث واحد منها اختصاص ذلك بالأحرار ; ولأن الجزية ذل وصغار وهو أهل لذلك ; ولأنه قوي مكتسب فلم يقر في بلاد المسلمين بغير جزية وهذا القول هو الذي نختاره .  
وقال  مهنا بن يحيى الشامي     : أخبرنا   إسماعيل ابن علية  عن   ابن أبي عروبة  عن  قتادة  عن  سفيان العقيلي  عن  أبي عياض  قال  قال :  عمر  رضي الله عنه : " لا تبتاعوا رقيق أهل الذمة ، فإنما هم أهل خراج يبيع بعضهم بعضا ، وأرضهم فلا تتبايعوها ، ولا يقرن أحدكم بالصغار في عنقه بعد إذ      [ ص: 296 ] أنقذه الله منه     .  
قال مهنا : فسألته - يعني  أحمد     - عن  سفيان العقيلي  ؟ فقال : روى عنه  قتادة   وأيوب السختياني  ، قلت : أي شيء روى  أيوب عن سفيان  ؟ فقال : هذا الحديث وهو مرسل ، ولم يذكر فيه  أبا عياض     .  
وسألته : لم قال  عمر     : لا تتبايعوا رقيق أهل الذمة ، قال : لأنهم يؤدون الخراج .  
وقال  الميموني     : تذاكرنا قول  عمر  هذا فقال  أبو عبد الله     : أظنه كرهه من أنهم جميعا في الأصل حيث أخذوا مماليك ، وإنما ملكوا هؤلاء بالقهر والغلبة منهم لهم ، فكره شراءهم واحتج لقوله أنه نهاهم عن شراء ما في أيدينا ، لأنهم إذا كان لهم أن يشتروا منا فلنا أن نشتري ما في أيديهم .  
قال : هذا معنى كلام  أبي عبد الله     .  
 [ ص: 297 ] وما أرى  الميموني  فهم ما قال  أحمد  ، وإلا فلا أدري ما معنى هذا الكلام  وعمر  رضي الله عنه إنما قال : " لأنهم أهل خراج يبيع بعضهم بعضا     " ، وفي لفظ : " يؤدي بعضهم عن بعض " .  
قال  أحمد     : فإذا صار إلى المسلم انقطع عنه ، هكذا لفظه في رواية   إسحاق بن منصور  ، وقد صرح في رواية   مهنا  بهذا ، وقد سأله عن قول  عمر  رضي الله عنه : ما معناه ؟ فقال : إنهم يؤدون الخراج ويستعبد بعضهم بعضا فإذا اشتراه مسلم لم يكن عليه خراج .  
قلت : كأنه جعل استعباد بعضهم بعضا غير مؤثر في إسقاط الجزية عنهم ، وقد صرح به  عمر  رضي الله عنه في قوله : " إنهم أهل خراج يبيع بعضهم بعضا " .  
وللصحابة لاسيما الخلفاء منهم لاسيما  عمر     - فقه ونظر لا تبلغه أفهام من بعدهم ، فكأن  عمر  رضي الله عنه لم يثبت لرقيقهم أحكام الرقيق التي تثبت لرقيق المسلم ، وعلم أنهم يبيع بعضهم بعضا ، وذلك لا يثبت الرق في الحقيقة ، فمنع المسلم من شرائه احتياطا ولم يسقط الجزية عن رقبته وألزمها من ادعى أنه رقيقه ، وهذا من أدق النظر وألطف الفقه ، وقد وافقه على ذلك   علي بن أبي طالب  رضي الله عنه وكره للمسلم شراءهم .  
وقال  سعيد     :  كان  قتادة  يكره أن يشترى من رقيقهم شيء إلا ما كان من غير بلادهم - زنجيا أو حبشيا أو خراسانيا - لا يبيع بعضهم بعضا     .  
 [ ص: 298 ] قلت : وهذه مسألة قد عم بها الإسلام ، ووقع السؤال عنها مرارا وهي بيع الكفار أولادهم للمسلمين ، هل يملكهم المسلمون بذلك ويحل استخدامهم ؟  
فإن كانوا أهل حرب جاز الشراء منهم وملك المشتري الأولاد ; لأنه يجوز ملكهم بالسبي والرق فيجوز بالشراء وإن كانوا ذمة تحت الجزية لم يجز اشتراء أولادهم ، ولا يملكهم المشتري لأنهم ملتزمون لجريان أحكام الإسلام عليهم وذلك ينافي حكم الإسلام .  
وإن كانوا أهل هدنة لم تجر عليهم أحكام الإسلام فهل يجوز شراء أولادهم منهم ؟ فيه وجهان والجواز أظهر فإنهم لم يلتزموا أحكام الإسلام ، ومن منع الشراء منهم قال : قد أمنوا بالهدنة من السبي وهذا في حكم السبي والفرق بينهما ظاهر والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					