64 - فصل  
[ هل يؤخذ العشور من الذمي والحربي ]  
إذا عرف بهذا فاختلف الأئمة في ذلك : هل يؤخذ من الذمي والحربي أم يختص الأخذ بالحربي ؟  
فقال   الشافعي  رحمه الله تعالى : لا يؤخذ من الذمي شيء ، وإن اضطرب في بلاد الإسلام كلها غير  الحجاز   ، فإن الجزية أثبتت له الأمان العام على نفسه وأهله وماله في المقام والسفر فإن دخل إلى أرض  الحجاز   فينظر في حاله ، فإن كان دخوله لرسالة أو نقل ميرة أذن له الإمام بغير شيء ، وإن كان لتجارة لا حاجة  بأهل  الحجاز    إليها لم يأذن له إلا أن يشترط عليه عوضا بحسب ما يراه ، والأولى أن يشترط عليه نصف العشر ; لأن  عمر  رضي الله عنه شرط نصف العشر على من دخل  الحجاز   من أهل الذمة .  
وأما الحربي فإن دخل إلينا لتجارة لا يحتاج إليها المسلمون لم يأذن له الإمام إلا بعوض يشرطه ، ومهما شرط جاز ، ويستحب أن يشرط العشر ، ليوافق فعل  عمر  وإن أذن مطلقا من غير شرط لم يؤخذ منه شيء لأنه أمان من غير شرط ، فهو كالهدنة .  
 [ ص: 346 ] قال : ويحتمل أن يجب عليه العشر ; لأن  عمر  رضي الله عنه أخذه ، هذا نصه .  
وأما أصحابه فتصرفوا في مذهبه وقالوا : أما المعاهد فإذا دخل بلاد الإسلام تاجرا أخذ منه عشر ماله ، وإن دخل بلاد الإسلام من غير تجارة بأن أمنه مسلم ، فإن دخل غير  الحجاز   لم يطالب بشيء وإن دخل  الحجاز   بأمان مسلم فهل يطالب وإن لم يكن تاجرا فيه وجهان لأصحاب   الشافعي     .  
قالوا : وهل يفتقر أخذ العشر إلى شرط الإمام أو يكفي فيه شرط   عمر بن الخطاب  رضي الله عنه على وجهين .  
قالوا : وإذا رأى الإمام أن يحط من العشر في صنف تدعو الحاجة إليه جاز ، وإن رأى حط العشر بالكلية لتتسع المكاسب ، فهل له ذلك ؟ على وجهين :  
أحدهما : يجوز مراعاة للمصلحة .  
والثاني - وهو الأصح - : لا يجوز ، بل لا بد من أخذ شيء وإن قل .  
وهل له أن يزيد على العشر إذا رأى فيه المصلحة ؟ فيه وجهان .  
قالوا : وإذا أخذ منه العشر في مال ثم عاد به في تلك السنة لم يكرر عليه الأخذ ; لأن ذلك بمثابة الجزية على رقبته فإن وافاه بمال آخر غيره في ذلك العام أخذنا عشره .  
قالوا : فإن كان المال المتردد به إلى الحجاز فهل يؤخذ منه كرة ثانية في العام ؟ فيه وجهان فهذا تحصيل مذهب الإمام   الشافعي  رضي الله عنه .  
 [ ص: 347 ] وأما مذهب   الإمام مالك  رضي الله عنه فيؤخذ العشر عنده من بضائع تجار الحرب .  
وأما الذمي فإن اتجر في بلده لم يطالب بشيء وإن اضطرب في بلاد الإسلام أخذ منه العشر كلما دخل ولو مرارا في السنة ، من المال الصامت والرقيق والطعام والفاكهة وغيرها مما يتجر فيه .  
ثم اختلف قول  ابن القاسم  وقول   عبد الملك بن حبيب  في المأخوذ : هل هو عشر ما يدخل به ؟ وهو رأي  ابن حبيب  ، أو عشر ما يعوضه ؟ وهو رأي  ابن القاسم     .  
قالوا : وسبب الاختلاف هل المأخوذ منهم لحق الوصول إلى البلد الثاني أو لحق الانتفاع فيه ؟  
قالوا : ويتخرج على هذا فرعان :  
أحدهما : لو دخلوا ببضاعة أو عين ثم أرادوا الرجوع قبل أن يبيعوا ويشتروا ، فابن حبيب يوجب عليهم العشر كالحربيين ، وابن القاسم لا يوجبه ; لأنهم لم ينتفعوا فيه .  
الفرع الثاني : لو دخلوا بإماء  فابن حبيب  يمنعهم من وطئهن واستخدامهن ويحول بينهم وبينهن إذ لا يرى الشركة ، ولو باعوا في بلد ثم اشتروا فيه لم يؤخذ منهم إلا عشر واحد ، ولو باعوا في أفق ثم اشتروا      [ ص: 348 ] بالثمن في أفق آخر أخذ منهم عشران .  
قالوا : ويخفف عن أهل الذمة فيما حملوه إلى  مكة   والمدينة   من الزيت والحنطة خاصة ، فيؤخذ منهم نصف العشر . هذا المشهور عن  مالك     .  
وروى  ابن نافع  عنه أنه يؤخذ منهم العشر كاملا كما لو حملوا ذلك إلى غيرهما أو حملوا غيرهما إليهما ، وإذا دخل الحربي بأمان مطلق أخذ منه العشر لا يزاد عليه وتجوز مشارطته على أكثر من ذلك عند عقد الأمان على الدخول ، ولو اتجر بالخمر والخنزير وما يحرم علينا ، فروى  ابن نافع  عن  مالك     : يتركونه حتى يبيعوه فيؤخذ منهم عشر الثمن ، فإن خيف من خيانتهم في ذلك جعل معهم أمين .  
قال  ابن نافع     : وذلك إذا جلبوه إلى أهل الذمة لا إلى أمصار المسلمين التي لا ذمة فيها .  
وفي " الواضحة "  لعبد الملك بن حبيب     : إذا نزل الحربي بخمر أو      [ ص: 349 ] خنزير أراق الإمام الخمر وقتل الخنزير ولم ينزلهم مع بقائهما .  
قال   سحنون     : وإذا اشترى الذمي فأخذ منه العشر ، ثم استحق ما بيده أو رده بعيب رجع بالعشر .  
قال  أشهب     : ولو ثبت أن على الذمي دينا لمسلم لم يؤخذ منه عشر ، وإن ادعاه لم يصدق بمجرد قوله ، ولا يسقط بثبوته لذمي .  
هذا تفصيل مذهب  مالك  رحمه الله تعالى .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					