[ ( فصل ) ] [1]  . 
وأما  علي بن الحسين  [2] فمن كبار التابعين وساداتهم علما ودينا ، أخذ عن أبيه ،  وابن عباس  ،  والمسور بن مخرمة  ،  وأبي رافع مولى النبي   - صلى الله عليه وسلم - ،  وعائشة   وأم سلمة   وصفية  أمهات المؤمنين ، وعن  مروان بن الحكم   وسعيد بن المسيب  ، وعبد الله بن عثمان بن عفان   [ ص: 49 ] وذكوان مولى عائشة  وغيرهم [ - رضي الله عنهم - ] [3]  . وروى عنه  أبو سلمة بن عبد الرحمن  ،  ويحيى بن سعيد الأنصاري  ،  والزهري  ، وأبو الزناد  ،  وزيد بن أسلم  وابنه أبو جعفر  [4]  . 
قال يحيى بن سعيد   : " هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة   " . وقال محمد بن سعد  في " الطبقات " [5] كان ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا " . وروى عن  حماد بن زيد   [ عن  يحيى بن سعيد الأنصاري   ] [6] قال : " سمعت  علي بن الحسين  ، وكان أفضل هاشمي أدركته يقول : يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام ، فما برح بنا حبكم حتى صار عارا علينا  " . وعن شيبة بن نعامة  قال : " كان  علي بن الحسين  يبخل ، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة  في السر  " . وله من الخشوع [ وصدقة السر وغير ذلك من ] [7] الفصائل [8] ما هو معروف ، حتى إنه كان من صلاحه ودينه يتخطى مجالس أكابر الناس ، ويجالس زيد بن أسلم مولى عمر [ بن الخطاب ]  [9] ، وكان من خيار أهل العلم والدين من التابعين ، فيقال له : " تدع مجالس قومك وتجالس هذا ؟ " فيقول : " إنما يجلس الرجل حيث يجد صلاح قلبه  " . 
 [ ص: 50 ] وأما ما ذكره من قيام ألف ركعة ، فقد تقدم أن هذا لا يمكن إلا على وجه يكره [10] في الشريعة ، أو لا يمكن بحال ، فلا يصلح ذكر مثل [11] هذا في المناقب . وكذلك ما ذكر من تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ له ] [12] سيد العابدين [13] هو شيء لا أصل له ، ولم يروه أحد من أهل العلم [ والدين ] [14]  . 
وكذلك أبو جعفر محمد بن علي  من خيار أهل العلم والدين . وقيل : إنما سمي الباقر  لأنه بقر العلم ، لا لأجل بقر السجود جبهته . وأما كونه  [ ص: 51 ] أعلم أهل زمانه فهذا يحتاج إلى دليل ،  والزهري  من أقرانه ، وهو عند الناس أعلم منه ، ونقل تسميته بالباقر  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أصل له عند أهل العلم ، بل هو من الأحاديث الموضوعة [15]  . وكذلك حديث تبليغ  جابر  له السلام هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث ، لكن هو روى عن  جابر [ بن عبد الله ]  [16] غير حديث ، مثل حديث الغسل والحج وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة عنه [17] ودخل على  جابر  مع أبيه  علي بن الحسين  بعد ما أضر [18]  جابر  ، وكان  جابر  من المبين لهم - رضي الله عنهم - ، وأخذ العلم عن  جابر   وأنس [ بن مالك ]  [19] ، وروى [ أيضا ] [20] عن  ابن عباس   وأبي سعيد   وأبي هريرة  وغيرهم من الصحابة ، وعن  سعيد بن المسيب  ،  ومحمد ابن الحنفية  ، وعبيد الله بن أبي رافع كاتب علي  [21] ، وروى عنه أبو إسحاق الهداني  ،  وعمرو بن دينار  ،  [ ص: 52 ]  والزهري  ،  وعطاء بن أبي رباح  ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن  [22] والأعرج  وهو أسن منه ، وابنه جعفر  ،  وابن جريج  ،  ويحيى بن أبي كثير  [23]  الأوزاعي  وغيرهم . 
 وجعفر الصادق   - رضي الله عنه - من خيار أهل العلم والدين ، أخذ العلم عن جده أبي أمه [24] أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق  ، وعن محمد بن المنكدر   ونافع [ مولى ابن عمر ]  [25]  والزهري   وعطاء [ بن أبي رباح ]  [26] وغيرهم . وروى عنه  يحيى بن سعيد الأنصاري  ،  ومالك [ بن أنس ]  [27]  وسفيان الثوري  ،  وسفيان بن عيينة  ،  وابن جريج  ،  وشعبة  ،  ويحيى بن سعيد القطان  ، وحاتم بن إسماعيل  [28] وحفص بن غياث  ،  ومحمد بن إسحاق [ بن يسار ]  [29]  . 
وقال عمرو بن أبي المقدام   : " كنت إذا نظرت  [ ص: 53 ] إلى  جعفر [ بن محمد ]  [30] علمت أنه من سلالة النبيين  " [31]  . 
وأما قوله : " اشتغل بالعبادة عن الرياسة " . 
فهذا تناقض من الإمامية  ، لأن الإمامة  [32] عندهم واجب عليه [33] أن يقوم بها وبأعبائها ، فإنه لا إمام في وقته إلا هو ، فالقيام بهذا الأمر العظيم [34] لو كان واجبا [ لكان ] [35] أولى من الاشتعال بنوافل العبادات . 
وأما قوله : إنه [36]  : " هو الذي نشر فقه الإمامية  ، والمعارف الحقيقية ، والعقائد اليقينية " . 
فهذا الكلام يستلزم أحد أمرين : إما أنه ابتدع في العلم ما لم يكن يعلمه من قبله . وإما أن يكون الذين قبله قصروا [37] فيما يجب [ عليهم ] [38] من نشر العلم . وهل يشك عاقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين لأمته  [ ص: 54 ] المعارف الحقيقية والعقائد اليقينية أكمل بيان ؟ وأن أصحابه تلقوا ذلك عنه [39] وبلغوه إلى المسلمين ؟ . 
وهذا يقتضي القدح : إما فيه ، وإما فيهم . بل كذب [40] على  جعفر الصادق  أكثر مما كذب على من قبله ، فالآفة وقعت من [41] الكذابين عليه لا منه . ولهذا نسب إليه أنواع [42] من الأكاذيب ، مثل كتاب " البطاقة " و " الجفر " و " الهفت " والكلام في [43] النجوم ، وفي تقدمة [44] المعرفة من جهة الرعود والبروق واختلاج الأعضاء وغير ذلك [45]  . حتى نقل عنه أبو عبد الرحمن  في " حقائق التفسير " [46] من الأكاذيب ما نزه الله جعفرا  عنه ، وحتى إن كل [47] من أراد أن ينفق أكاذيبه [48] نسبها إلى جعفر  ، حتى إن طائفة من الناس يظنون أن " رسائل إخوان الصفا " مأخوذة عنه ، وهذا من الكذب المعلوم ، فإن جعفرا  توفي سنة ثمان وأربعين ومائة ، وهذه الرسائل وضعت [49] بعد ذلك بنحو مائتي سنة : وضعت [50] لما ظهرت دولة  [ ص: 55 ] الإسماعيلية الباطنية  الذين بنوا القاهرة  المعزية سنة بضع وخمسين وثلاثمائة ، وفي تلك الأوقات صنفت هذه الرسائل بسبب ظهور هذا المذهب ، الذي ظاهره الرفض ، وباطنه الكفر المحض ، فأظهروا اتباع الشريعة ، وأن لها باطنا مخالفا لظاهرها ، وباطن أمرهم مذهب الفلاسفة ، وعلى هذا [ الأمر ] [51] وضعت هذه الرسائل ، وضعها [52] طائفة من المتفلسفة معروفون ، وقد ذكروا في أثنائها ما استولى عليه النصارى  من أرض الشام  ، وكان أول [53] ذلك بعد ثلاثمائة سنة من الهجرة النبوية في أوائل المائة الرابعة [54]  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					