( فصل )
قال الرافضي [1] : " السادس أنه كان مستجاب الدعاء [2] . دعا على بسر بن أرطأة [3] بأن يسلبه الله عز وجل عقله فخولط فيه ، ودعا على العيزار [4] بالعمى فعمي ، ودعا على أنس [5] لما [ ص: 154 ] كتم شهادته بالبرص فأصابه ، وعلى زيد بن أرقم بالعمى فعمي " [6] .
والجواب : أن هذا موجود في الصحابة أكثر منه ، وممن بعد الصحابة ، ما دام في الأرض مؤمن . وكان سعد بن أبي وقاص لا تخطئ له دعوة ، وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اللهم سدد رميته وأجب دعوته " [7] . وفي صحيح مسلم أن عمر لما أرسل إلى الكوفة من يسأل عن سعد ، فكان الناس يثنون خيرا ، حتى سئل عنه رجل من بني عبس فقال : أما إذ أنشدتمونا سعدا ، فكان لا يخرج في السرية ، ولا يعدل في الرعية ، ولا يقسم بالسوية . فقال سعد : " اللهم إن كان كاذبا ، قام رياء وسمعة ، فأطل عمره ، وعظم فقره ، وعرضه للفتن " فكان يرى وهو شيخ كبير ، تدلى حاجباه من الكبر ، يتعرض للجواري يغمزهن في الطرقات ، ويقول : " شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد " [8] .
[ ص: 155 ] وكذلك سعيد بن زيد ، كان مستجاب الدعوة . فروى حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن أروى بنت أوس استعدت مروان على سعيد ، وقالت : " سرق من أرضي ما أدخله في أرضه " فقال سعيد : " اللهم إن كانت كاذبة فأذهب بصرها ، واقتلها في أرضها " فذهب بصرها ، وماتت في أرضها [9] .
والبراء بن مالك كان يقسم على الله فيبر قسمه ، كما في الصحيح : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك " [10] .
والعلاء بن الحضرمي ، نائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نائب أبي بكر - رضي الله عنه - على البحرين ، مشهور بإجابة الدعاء . روى ابن أبي الدنيا بإسناده ، قال سهم بن منجاب : غزونا مع العلاء بن الحضرمي دارين [11] ، فدعا بثلاث دعوات ، فاستجاب الله له فيهن كلهن ، قال : سرنا معه ، ونزلنا منزلا ، وطلبنا الوضوء ، فلم نقدر عليه ، فقام فصلى ركعتين ، ثم دعا الله ، فقال : الله يا عليم يا حكيم ، يا علي يا عظيم ، إنا عبيدك ، وفي سبيلك نقاتل عدوك ، فاسقنا غيثا نشرب منه [ ص: 156 ] ونتوضأ من الإحداث ، وإذا تركناه فلا تجعل فيه نصيبا لأحد غيرنا . قال : فما جاوزنا غير بعيد ، فإذا نحن ببئر من ماء السماء تتدفق . قال : فنزلنا فروينا [12] ، وملأت إداوتي [13] ، ثم تركتها وقلت : لأنظرن هل استجيب له ؟ فسرنا ميلا أو نحوه ، فقلت لأصحابي : إني نسيت إداوتي [14] ، فجئت إلى ذلك المكان ، فكأنما لم يكن فيه ماء قط ، فأخذت إداوتي [15] ، فلما أتيت دارين ، وبيننا وبينهم البحر ، فدعا لله فقال : الله يا عليم يا حكيم ، يا علي يا عظيم ، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك ، فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك . ثم اقتحم بنا [16] البحر ، فوالله ما ابتلت سروجنا ، ثم خرجنا إليهم ، فلما رجعنا اشتكى البطن فمات ، فلم نجد ماء نغسله ، فلففناه في ثيابه ، فدفناه ، فلما سرنا غير بعيد إذا نحن بماء كثير ، فقال بعضهم لبعض : ارجعوا نستخرجه فنغسله ، فرجعنا فخفي علينا قبره ، فلم نقدر عليه . فقال رجل من القوم : إني سمعته يدعو الله يقول : اللهم يا عليم يا حكيم ، يا علي يا عظيم ، اخف حفرتي ، ولا تطلع على عورتي أحدا ، فرجعنا وتركناه [17] .
وقد كان عمر دعا بدعوات أجيب فيها ، من ذلك أنه لما نازعه بلال وطائفة معه في القسمة - قسمة الأرض - فقال : " اللهم اكفني بلالا وذويه " فما حال الحول ومنهم عين تطرف [18] .
[ ص: 157 ] وقال : " اللهم قد [19] كبرت سني ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مفتون ولا مضيع " فمات من عامه [20] .
ومثل هذا كثير جدا . وقد صنف ابن أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " كتابا [21] ، مع أن هذه القصص المذكورة عن علي لم يذكر لها إسنادا ، فتتوقف على معرفة الصحة ، مع أن فيها ما هو كذب لا ريب فيه ، كدعائه على أنس بالبرص ، ودعائه على زيد بن أرقم بالعمى .


