حديث تفرق الأمة  
صح من حديث   أبي هريرة     - رضي الله عنه -  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى مثل ذلك ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة    وخرجه  الترمذي  هكذا .  
وفي رواية  أبي داود  قال :  
افترق اليهود 73 على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة     .  
وفي  الترمذي  تفسير هذا ، ولكن بإسناد غريب عن غير   أبي هريرة     - رضي الله عنه - ، فقال في حديث :  
وإن  بني إسرائيل   افترقت على اثنتين      [ ص: 699 ] وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة ، كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا : ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي     .  
وفي سنن  أبي داود     :  
وأن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ، اثنتان وسبعين في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة  وهي بمعنى الرواية التي قبلها ، إلا أن هنا زيادة في بعض الروايات :  وأنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله     .  
وفي رواية عن  ابن أبي غالب  موقوفا عليه :  
إن  بني إسرائيل   تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة ، وإن هذه الأمة تزيد عليهم فرقة ، كلها في النار إلا السواد الأعظم  وفي رواية مرفوعا :  
ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمها فتنة الذين يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال     .  
وهذا الحديث بهذه الرواية الأخيرة قدح فيه   ابن عبد البر  لأن  ابن   [ ص: 700 ] معين  قال : إنه حديث باطل لا أصل له شبه فيه على   نعيم بن حماد  ، قال بعض المتأخرين : إن الحديث قد روي عن جماعة من الثقات ، ثم تكلم في إسناده بما يقتضي أنه ليس كما قال   ابن عبد البر  ، ثم قال : وفي الجملة فإسناده في الظاهر جيد إلا أن يكون - يعني   ابن معين     - قد اطلع منه على علة خفية .  
وأغرب من هذا كله رواية رأيتها في جامع  ابن وهب     .  
إن  بني إسرائيل   تفرقت إحدى وثمانين ملة وستفترق أمتي على اثنتين وثمانين ملة ، كلها في النار إلا واحدة قالوا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : - الجماعة     .  
فإذا تقرر هذا تصدى النظر في الحديث في مسائل : المسألة الأولى في حقيقة هذا الافتراق  
وهو يحتمل أن يكون افتراقا على ما يعطيه مقتضى اللفظ ، ويحتمل أن يكون مع زيادة قيد لا يقتضيه اللفظ بإطلاقه ولكن يحتمله ، كما كان لفظ الرقبة بمطلقها لا يشعر بكونها مؤمنة أو غير مؤمنة ، لكن اللفظ يقبله فلا يصح أن يراد مطلق الافتراق ، بحيث يطلق صور لفظ الاختلاف على معنى واحد ، لأنه يلزم أن يكون المختلفون في مسائل الفروع داخلين تحت إطلاق اللفظ ، وذلك باطل بالإجماع ، فإن الخلاف من زمان الصحابة إلى الآن واقع في المسائل الاجتهادية ، وأول ما وقع الخلاف في زمان الخلفاء الراشدين المهديين ، ثم في سائر الصحابة ، ثم التابعين ولم يعب أحد ذلك منهم ، وبالصحابة اقتدى من بعدهم في توسيع الخلاف . فكيف أن يكون الافتراق في المذاهب مما يقتضيه الحديث ؟ !      [ ص: 701 ] وإنما يراد افتراق مقيد ، وإن لم يكن في الحديث نص عليه ، ففي الآيات مما يدل عليه، قوله تعالى :  ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون   وقوله تعالى :  إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء   وما أشبه تلك الآيات الدالة على التفرق الذي صاروا به شيعا ، ومعنى صاروا شيعا أي جماعات بعضهم قد فارق البعض ، ليسوا على تآلف ولا تعاضد ولا تناصر ، بل على ضد ذلك ، فإن الإسلام واحد وأمره واحد ، فاقتضى أن يكون حكمه على الائتلاف التام لا على الاختلاف .  
وهذه الفرقة مشعرة بتفرق القلوب المشعر بالعداوة والبغضاء ، ولذلك قال :  
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا   فبين أن التأليف إنما يحصل عند الائتلاف على التعلق بمعنى واحد ، وأما إذا تعلقت كل شيعة بحبل غير ما تعلقت به الأخرى فلا بد من التفرق ، وهو معنى قوله تعالى :  وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله      .  
وإذا ثبت هذا نزل عليه لفظ الحديث واستقام معناه والله أعلم .  
				
						
						
