ومثال  ما يقع في النفس      :  
ما ذكر من نحل الهند في تعذيبها أنفسها بأنواع العذاب الشنيع ، والتمثيل ، والقتل بالأصناف التي تفزع منها القلوب وتقشعر منها الجلود ، كل ذلك على جهة استعجال الموت لنيل الدرجات العلى ـ في زعمهم ـ والفوز بالنعيم الأكمل ، بعد الخروج عن هذه الدار العاجلة ، ومبني على أصول لهم فاسدة اعتقدوها وبنوا عليها أعمالهم . حكى  المسعودي  وغيره من ذلك أشياء فطالعها من هنالك .  
وقد وقع  القتل في العرب الجاهلية   ولكن على غير هذه الجهة ، وهو قتل الأولاد لشيئين :  
أحدهما خوف الإملاق .  
والآخر دفع العار الذي كان لاحقا لهم بولادة الإناث .  
حتى أنزل الله في ذلك قوله تعالى :  ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم   ، وقوله تعالى :  وإذا الموءودة سئلت      .      [ ص: 521 ] بأي ذنب قتلت      . وقوله :  وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا   الآية .  
وهذا القتل محتمل أن يكون دينا وشرعة ابتدعوها ، ويحتمل أن يكون عادة تعودوها ، بحيث لم يتخذوها شرعة ، إلا أن الله تعالى ذمهم عليها فلا يحكم عليها بالبدعة بل بمجرد المعصية ، فنظرنا هل نجد لأحد المحتملين عاضدا يكون هو الأولى في حمل الآيات عليه ؟ فوجدنا قوله سبحانه وتعالى :  وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم   فإن الآية صرحت أن لهذا التزيين سببين :  
أحدهما الإرداء وهو الإهلاك .  
والآخر لبس الدين ، وهو قوله :  وليلبسوا عليهم دينهم   ولا يكون ذلك إلا بتغييره وتبديله أو الزيادة فيه أو النقصان منه ، وهو الابتداع بلا إشكال ، وإنما كان دينهم أولا دين أبيهم (  إبراهيم      ) فصار ذلك من جملة ما بدلوا فيه ، كالبحيرة والسائبة ونصب الأصنام وغيرها ، حتى عد من جملة دينهم الذي يدينون به .  
ويعضده قوله تعالى بعد :  فذرهم وما يفترون   فنسبهم إلى الافتراء ـ كما ترى ـ والعصيان من حيث هو عصيان لا يكون افتراء ، وإنما يقع الافتراء في نفس التشريع في أن هذا القتل من جملة ما جاء من الدين .      [ ص: 522 ] ولذلك قال تعالى على إثر ذلك :  قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا   فجعل قتل الأولاد مع تحريم ما أحل الله من جملة الافتراء ، ثم ختم بقوله : ( قد ضلوا ) وهذه خاصية البدعة ـ كما تقدم ـ فإذا ما فعلت الهند نحو ما فعلت الجاهلية ، وسيأتي مذهب  المهدي المغربي  في شرعية القتل .  
على أن بعض المفسرين قال في قوله تعالى :  وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم   أنه قتل الأولاد على جهة النذر والتقرب به إلى الله ، كما فعل  عبد المطلب  في ابنه  عبد الله  أبي النبي صلى الله عليه وسلم .  
وهذا القتل قد يشكل ، إذ يقال لعل ذلك من جملة ما اقتدوا فيه بأبيهم  إبراهيم عليه السلام   ، لأن الله أمره بذبح ابنه ، فلا يكون ذلك اختراعا وافتراء لرجوعها إلى أصل صحيح وهو عمل أبيهم عليه السلام ، وإن صح هذا القول وتؤول فعل  إبراهيم   عليه السلام على أنه لم يكن شريعة لمن بعده من طريقته فوجه اختراعه دينا ظاهر ، لا سيما عند عروض شبهة الذبح ، وهو شأن أهل البدع ، إذ لا بد لهم من شبهة يتعلقون بها ـ كما تقدم التنبيه عليه .  
وكون ما تفعل أهل الهند من هذا القبيل ظاهر جدا .  
ويجري مجرى إتلاف النفس إتلاف بعضها ، كقطع عضو من الأعضاء ، أو تعطيل منفعة من منافعه بقصد التقرب إلى الله بذلك ، فهو من جملة البدع ، وعليه يدل الحديث حيث قال :  
رد رسول الله صلى الله عليه وسلم التبتل      [ ص: 523 ] على   عثمان بن مظعون  ولو أذن له لاختصينا  ، فالخصاء بقصد التبتل وترك الاشتغال بملابسة النساء واكتساب الأهل والولد مردود مذموم ، وصاحبه معتد غير محبوب عند الله ، حسبما نبه قوله تعالى :  ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين   وكذلك فقء العين لئلا ينظر إلى ما لا يحل له .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					