فصل وأما هديه في الأضاحي فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع الأضحية  ، وكان يضحي بكبشين ، وكان ينحرهما بعد صلاة العيد ، وأخبر أن ( من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء ، وإنما هو لحم قدمه لأهله  ) هذا الذي دلت عليه سنته وهديه لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة ، بل بنفس فعلها ، وهذا هو الذي ندين الله به ( وأمرهم أن يذبحوا الجذع من الضأن والثني مما سواه   ) وهي المسنة . 
 [ ص: 290 ] وروي عنه أنه قال : ( كل أيام التشريق ذبح   ) لكن الحديث منقطع لا يثبت وصله . 
وأما نهيه عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث  فلا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط ؛ لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يدخر شيئا فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه ، فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث لجاز له الادخار وقت النهي ما بينه وبين ثلاثة أيام ، والذين حددوه بالثلاث  [ ص: 291 ] فهموا من نهيه عن الادخار فوق ثلاث أن أولها من يوم النحر ، قالوا : وغير جائز أن يكون الذبح مشروعا في وقت يحرم فيه الأكل ، قالوا : ثم نسخ تحريم الأكل فبقي وقت الذبح بحاله . 
فيقال لهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن الادخار فوق ثلاث لم ينه عن التضحية بعد ثلاث ، فأين أحدهما من الآخر ؟ ولا تلازم بين ما نهى عنه ، وبين اختصاص الذبح بثلاث لوجهين . 
أحدهما : أنه يسوغ الذبح في اليوم الثاني والثالث ، فيجوز له الادخار إلى تمام الثلاث من يوم الذبح ، ولا يتم لكم الاستدلال حتى يثبت النهي عن الذبح بعد يوم النحر ، ولا سبيل لكم إلى هذا . 
الثاني : أنه لو ذبح في آخر جزء من يوم النحر لساغ له حينئذ الادخار ثلاثة أيام بعده بمقتضى الحديث ، وقد قال  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه : أيام النحر  يوم الأضحى ، وثلاثة أيام بعده وهو مذهب إمام أهل البصرة  الحسن  ، وإمام أهل مكة   عطاء بن أبي رباح  ، وإمام أهل الشام   الأوزاعي  ، وإمام فقهاء أهل الحديث  الشافعي  رحمه الله واختاره ابن المنذر  ؛ ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى  ، وأيام الرمي وأيام التشريق ، ويحرم صيامها ، فهي إخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع . وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل منى  منحر ، وكل أيام التشريق ذبح  ) روي من حديث  جبير بن مطعم  ، وفيه انقطاع ، ومن حديث  أسامة بن زيد  ، عن عطاء عن جابر   . 
 [ ص: 292 ] قال  يعقوب بن سفيان   :  أسامة بن زيد  عند أهل المدينة  ثقة مأمون . 
وفي هذه المسألة أربعة أقوال هذا أحدها . 
والثاني : أن وقت الذبح  يوم النحر ويومان بعده ، وهذا مذهب أحمد  ومالك  ،  وأبي حنيفة  رحمهم الله ، قال أحمد   : هو قول غير واحد من أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم ، وذكره الأثرم  عن  ابن عمر  ،  وابن عباس  رضي الله عنهم . 
الثالث : أن وقت النحر يوم واحد ، وهو قول  ابن سيرين  ، لأنه اختص بهذه التسمية فدل على اختصاص حكمها به ، ولو جاز في الثلاثة لقيل لها : أيام النحر كما قيل لها : أيام الرمي وأيام منى  ، وأيام التشريق ، ولأن العيد يضاف إلى النحر ، وهو يوم واحد كما يقال عيد الفطر . 
الرابع : قول  سعيد بن جبير  ،  وجابر بن زيد   : إنه يوم واحد في الأمصار وثلاثة أيام في منى  ؛ لأنها هناك أيام أعمال المناسك من الرمي والطواف والحلق فكانت أياما للذبح بخلاف أهل الأمصار . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					