( إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم  فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين    ) 
قوله تعالى : ( إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم  فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قوله ( إن هذا ) إشارة إلى ما تقدم ذكره من الدلائل ، ومن الدعاء إلى المباهلة ( لهو القصص الحق    ) ، والقصص هو مجموع الكلام المشتمل على ما يهدي إلى الدين  ، ويرشد إلى الحق ويأمر بطلب النجاة ، فبين تعالى أن الذي أنزله على نبيه هو القصص الحق ليكون على ثقة من أمره ، والخطاب وإن كان معه فالمراد به الكل . 
المسألة الثانية : " هو " في قوله : ( لهو القصص الحق    ) فيه قولان : أحدهما : أن يكون فصلا وعمادا ، ويكون خبر " إن " هو قوله : ( القصص الحق    ) . 
فإن قيل : فكيف جاز دخول اللام على الفصل ؟ 
قلنا : إذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل أجود ؛ لأنه أقرب إلى المبتدأ منه ، وأصلها أن تدخل على المبتدأ . 
والقول الثاني : أنه مبتدأ ، والقصص خبره ، والجملة خبر " إن " . 
المسألة الثالثة : قرئ " لهو " بتحريك الهاء على الأصل ، وبالسكون لأن اللام ينزل من " هو " منزلة بعضه فخفف كما خفف عضد . 
 [ ص: 75 ] 
المسألة الرابعة : يقال : قص فلان الحديث يقصه قصا وقصصا ، وأصله اتباع الأثر ، يقال : خرج فلان قصصا في أثر فلان ، وقصا ، وذلك إذا اقتص أثره ، ومنه قوله تعالى : ( وقالت لأخته قصيه    ) [ القصص : 11 ] ، وقيل للقاص إنه قاص لإتباعه خبرا بعد خبر ، وسوقه الكلام سوقا ، فمعنى القصص الخبر المشتمل على المعاني المتتابعة . 
ثم قال : ( وما من إله إلا الله    ) ، وهذا يفيد تأكيد النفي ؛ لأنك لو قلت : عندي من الناس أحد ، أفاد أن عندك بعض الناس ، فإذا قلت : ما عندي من الناس من أحد ، أفاد أنه ليس عندك بعضهم ، وإذا لم يكن عندك بعضهم ، فبأن لا يكون عندك كلهم أولى ، فثبت أن قوله : ( وما من إله إلا الله    ) مبالغة في أنه لا إله إلا الله الواحد الحق سبحانه وتعالى . 
ثم قال : ( وإن الله لهو العزيز الحكيم    ) وفيه إشارة إلى الجواب عن شبهات النصارى   ، وذلك لأن اعتمادهم على أمرين : أحدهما : أنه قدر على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فكأنه تعالى قال : هذا القدر من القدرة لا يكفي في الإلهية ، بل لا بد وأن يكون عزيزا غالبا لا يدفع ولا يمنع ، وأنتم قد اعترفتم بأن عيسى  ما كان كذلك ، وكيف وأنتم تقولون إن اليهود  قتلوه ؟ والثاني : أنهم قالوا : إنه كان يخبر عن الغيوب وغيرها فيكون إلها ، فكأنه تعالى قال : هذا القدر من العلم لا يكفي في الإلهية ، بل لا بد وأن يكون حكيما ، أي عالما بجميع المعلومات وبجميع عواقب الأمور ، فذكر ( العزيز الحكيم ) هاهنا إشارة إلى الجواب عن هاتين الشبهتين ونظير هذه الآية ما ذكره تعالى في أول السورة من قوله : ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم    ) [ آل عمران : 6 ] . 
ثم قال : ( فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين    ) ، والمعنى : فإن تولوا عما وصفت من أن الله هو الواحد ، وأنه يجب أن يكون عزيزا غالبا قادرا على جميع المقدورات ، حكيما عالما بالعواقب والنهايات مع أن عيسى    - عليه السلام - ما كان عزيزا غالبا ، وما كان حكيما عالما بالعواقب والنهايات . 
فاعلم أن توليهم وإعراضهم ليس إلا على سبيل العناد ، فاقطع كلامك عنهم وفوض أمرهم إلى الله ، فإن الله عليم بفساد المفسدين ، مطلع على ما في قلوبهم من الأغراض الفاسدة ، قادر على مجازاتهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					