( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون    ) 
قوله تعالى ( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون    ) 
 [ ص: 127 ] اعلم أنه تعالى لما ذكر ما وقع عليه الختم في واقعة فرعون وجنوده ، ذكر أيضا في هذه الآية ما وقع عليه الختم في أمر بني إسرائيل   ، وههنا بحثان : 
البحث الأول : أن قوله : ( بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق    ) أي أسكناهم مكان صدق أي مكانا محمودا ، وقوله : ( مبوأ صدق    ) فيه وجهان : 
الأول : يجوز أن يكون مبوأ صدق مصدرا ، أي بوأناهم تبوأ صدق . 
الثاني : أن يكون المعنى منزلا صالحا مرضيا ، وإنما وصف المبوأ بكونه صدقا ؛ لأن عادة العرب أنها إذا مدحت شيئا أضافته إلى الصدق ، تقول : رجل صدق ، وقدم صدق ، قال تعالى : ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق    ) [ الإسراء : 80 ] والسبب فيه أن ذلك الشيء إذا كان كاملا في وقته صالحا للغرض المطلوب منه ، فكل ما يظن فيه من الخير ، فإنه لا بد وأن يصدق ذلك الظن . 
البحث الثاني : اختلفوا في أن المراد ببني إسرائيل  في هذه الآية أهم اليهود  الذين كانوا في زمن موسى    - عليه السلام - أم الذين كانوا في زمن محمد  عليه السلام ؟ 
أما القول الأول : فقد قال به قوم ودليلهم أنه تعالى لما ذكر هذه الآية عقيب قصة موسى    - عليه السلام - كان حمل هذه الآية على أحوالهم أولى ، وعلى هذا التقدير : كان المراد بقوله : ( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق    ) الشام ومصر ، وتلك البلاد فإنها بلاد كثيرة الخصب ، قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله    ) [ الإسراء : 1 ] والمراد من قوله : ( ورزقناهم من الطيبات    ) تلك المنافع ، وأيضا المراد منها أنه تعالى أورث بني إسرائيل  جميع ما كان تحت أيدي قوم فرعون من الناطق والصامت والحرث والنسل ، كما قال : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها    ) . [ الأعراف : 137 ] 
ثم قال تعالى : ( فما اختلفوا حتى جاءهم العلم    ) والمراد أن قوم موسى    - عليه السلام - بقوا على ملة واحدة ومقالة واحدة من غير اختلاف حتى قرءوا التوراة ، فحينئذ تنبهوا للمسائل والمطالب ووقع الاختلاف بينهم . ثم بين تعالى أن هذا النوع من الاختلاف لا بد وأن يبقى في دار الدنيا ، وأنه تعالى يقضي بينهم يوم القيامة . 
وأما القول الثاني : وهو أن المراد ببني إسرائيل  في هذه الآية اليهود  الذين كانوا في زمان محمد    - عليه الصلاة والسلام - فهذا قال به قوم عظيم من المفسرين . قال  ابن عباس    : وهم قريظة  والنضير  وبنو قينقاع  أنزلناهم منزل صدق ما بين المدينة  والشام  ورزقناهم من الطيبات ، والمراد ما في تلك البلاد من الرطب والتمر التي ليس مثلها طيبا في البلاد ، ثم إنهم بقوا على دينهم ، ولم يظهر فيهم الاختلاف حتى جاءهم العلم ، والمراد من العلم القرآن النازل على محمد    - عليه الصلاة والسلام - وإنما سماه علما ; لأنه سبب العلم ، وتسمية السبب باسم المسبب مجاز مشهور . 
وفي كون القرآن سببا لحدوث الاختلاف  وجهان : 
الأول : أن اليهود  كانوا يخبرون بمبعث محمد  عليه الصلاة والسلام ويفتخرون به على سائر الناس ، فلما بعثه الله تعالى كذبوه حسدا وبغيا وإيثارا لبقاء الرياسة وآمن به طائفة منهم ، فبهذا الطريق صار نزول القرآن سببا لحدوث الاختلاف فيهم . 
الثاني : أن يقال : إن هذه الطائفة من بني إسرائيل  كانوا قبل نزول القرآن كفارا محضا   [ ص: 128 ] بالكلية وبقوا على هذه الحالة حتى جاءهم العلم ، فعند ذلك اختلفوا فآمن قوم وبقي أقوام آخرون على كفرهم . 
وأما قوله تعالى : ( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون    ) فالمراد منه أن هذا النوع من الاختلاف لا حيلة في إزالته في دار الدنيا ، وأنه تعالى في الآخرة يقضي بينهم ، فيتميز المحق من المبطل ، والصديق من الزنديق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					