أما قوله تعالى : ( ومن تطوع خيرا    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : قراءة حمزة  ، وعاصم  ، والكسائي    ( يطوع ) بالياء وجزم العين ، وتقديره : يتطوع ، إلا أن التاء أدغمت في الطاء لتقاربهما ، وهذا أحسن لأن المعنى على الاستقبال ، والشرط والجزاء الأحسن فيهما الاستقبال ، وإن كان يجوز أن يقال من أتاني أكرمته  فيوقع الماضي موقع المستقبل في الجزاء ، إلا أن اللفظ إذا كان يوافق المعنى كان أحسن ، وأما الباقون من القراء فقرءوا ( تطوع ) على وزن تفعل ماضيا ، وهذه القراءة تحتمل أمرين : 
أحدهما : أن يكون موضع ( تطوع ) جزما . 
الثاني : أن لا يجعل ( من ) للجزاء ، ولكن يكون بمنزلة ( الذي ) ويكون مبتدأ ، والفاء مع ما بعدها في موضع رفع لكونها خبر المبتدأ الموصول ، والمعنى فيه معنى مبتدأ الخبر ، إلا أن هذه الفاء إذا دخلت في خبر الموصول أو النكرة الموصوفة ، أفادت أن الثاني إنما وجب لوجوب الأول كقوله : ( وما بكم من نعمة فمن الله    ) [ النحل : 53 ] فما مبتدأ موصول ، والفاء مع ما بعدها خبر له ، ونظيره قوله : ( الذين ينفقون أموالهم    ) [ البقرة : 274 ] إلى قوله : ( فلهم أجرهم    ) وقوله : ( إن الذين فتنوا المؤمنين    ) [ البروج : 10 ] إلى قوله : ( فلهم عذاب جهنم    ) وقوله : ( ومن عاد فينتقم الله منه    ) [ المائدة : 95 ] وقوله : ( ومن كفر فأمتعه قليلا    ) [ البقرة : 126 ] وقوله : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها    ) [ الأنعام : 160 ] وقوله : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر    ) [ الكهف : 29 ] ونذكر هذه المسألة إن شاء الله عند قوله : ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية    ) [ البقرة : 274 ] . 
المسألة الثانية : قال أبو مسلم    : ( تطوع ) تفعل من الطاعة ، وسواء قول القائل : طاع وتطوع ، كما يقال : حال وتحول وقال وتقول وطاف وتطوف وتفعل بمعنى فعل كثيرا ، والطوع هو الانقياد ، والطوع ما ترغب به من ذات نفسك مما لا يجب عليك . 
المسألة الثالثة : الذين قالوا : السعي واجب ، فسروا هذا التطوع بالسعي الزائد على قدر الواجب   [ ص: 147 ] ومنهم من فسره بالسعي في الحجة الثانية التي هي غير واجبة ، وقال الحسن    : المراد منه جميع الطاعات وهذا أولى ؛ لأنه أوفق لعموم اللفظ . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					