( 8243 ) فصل : وإذا استعدى رجل على رجل إلى الحاكم ،  ففيه روايتان ; إحداهما ، أنه يلزمه أن يعديه ، ويستدعي خصمه ، سواء علم بينهما معاملة أو لم يعلم ، وسواء كان المستعدي ممن يعامل المستعدى عليه أو لا يعامله ، كالفقير يدعي على ذي ثروة وهيئة . 
نص على هذا ، في رواية  الأثرم  ، في الرجل يستعدي ، على الحاكم ، أنه يحضره ويستحلفه . وهذا اختيار أبي بكر  ، ومذهب  أبي حنيفة  ،  والشافعي    ; لأن في تركه تضييعا للحقوق ، وإقرارا للظلم ، فإنه قد ثبت له الحق على من هو أرفع منه بغصب ، أو يشتري منه شيئا ولا يوفيه ، أو يودعه شيئا ، أو يعيره إياه فلا يرده ، ولا تعلم بينهما معاملة ، فإذا لم يعد عليه ، سقط حقه ، وهذا أعظم ضررا من حضور مجلس الحاكم ، فإنه لا نقيصة فيه ، وقد حضر  عمر  وأبي  عند  زيد  ، وحضر هو وآخر عند  شريح  ، وحضر  علي  عند  شريح  وحضر المنصور  عند رجل ولد  طلحة بن عبيد الله    . 
والرواية الثانية ، لا يستدعيه إلا أن يعلم بينهما معاملة ، ويتبين أن لما ادعاه أصلا . 
روي ذلك عن  علي  رضي الله عنه وهو مذهب  مالك    ; لأن في ادعائه على كل أحد تبذيل أهل المروءات ، وإهانة لذوي الهيئات ، فإنه لا يشاء أحد أن يبذلهم عند الحاكم إلا فعل ، وربما فعل هذا من لا حق له ليفتدي المدعى عليه من حضوره وشر خصمه بطائفة من ماله ، والأولى أولى ; لأن ضرر تضييع الحق أعظم من هذا . وللمستدعى عليه أن يوكل من يقوم مقامه أن كره الحضور . 
وإن كان المستدعى عليه امرأة نظرت ; فإن كانت برزة ، وهي التي تبرز لقضاء حوائجها ، فحكمها حكم الرجل . وإن كانت مخدرة ، وهي التي لا تبرز لقضاء حوائجها ، أمرت بالتوكيل . فإن توجهت اليمين عليها ، بعث الحاكم أمينا معه شاهدان ، فيستحلفها بحضرتهما ، فإن أقرت ، شهدا عليها . وذكر  القاضي  أن الحاكم يبعث من يقضي بينها وبين خصمها في دارها . 
وهو مذهب  الشافعي    ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : واغد يا أنيس  إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها   } فبعث إليها ولم يستدعها . وإذا حضروا عندها ، كان بينها وبينهم ستر تتكلم من ورائه ، فإن اعترفت للمدعي أنها خصمه ، حكم بينهما ، وإن أنكرت ذلك ، جيء بشاهدين من ذوي رحمها ، يشهدان أنها المدعى عليها ، ثم يحكم بينهما ، فإن لم تكن له بينة ، التحفت بجلبابها ، وأخرجت من وراء الستر لموضع الحاجة . 
وما ذكرناه أولى ، إن شاء الله ; لأنه أستر لها ، وإذا كانت خفرة ، منعها الحياء من النطق بحجتها ، والتعبير عن نفسها ، سيما مع جهلها بالحجة ، وقلة معرفتها بالشرع وحججه . ( 8244 ) فصل : ولا يخلو المستعدى عليه من أن يكون حاضرا أو غائبا ; فإن كان حاضرا في البلد أو قريبا منه ، فإن شاء الحاكم بعث مع المستعدي عونا يحضر المدعى عليه ، وإن شاء بعث معه قطعة من شمع أو طين مختوما  [ ص: 107 ] بخاتمه ، فإذا بعث معه ختما ، فعاد فذكر أنه امتنع ، أو كسر الختم ، بعث إليه عيونا ، فإن امتنع ، أنفذ صاحب المعونة فأحضره ، فإذا حضر وشهد عليه شاهدان بالامتناع ، عزره إن رأى ذلك ، بحسب ما يراه ، تأديبا له إما بالكلام وكشف رأسه ، أو بالضرب أو بالحبس ، فإن اختبأ بعث الحاكم من ينادي على بابه ثلاثا أنه إن لم يحضر سمر بابه ، وختم عليه ، ويجمع أماثل جيرانه ويشهدهم على إعذاره ، فإن لم يحضر ، وسأل المدعي أن يسمر عليه منزله ، ويختم عليه . 
وتقرر عند الحاكم أن المنزل منزله ، سمره أو ختمه فإن لم يحضر ، بعث الحاكم من ينادي على بابه بحضرة شاهدي عدل ، أنه إن لم يحضر مع فلان ، أقام عنه وكيلا ، وحكم عليه ، فإن لم يحضر ، أقام عنه وكيلا ، وسمع البينة عليه ، وحكم عليه كما يحكم على الغائب ، وقضى حقه من ماله إن وجد له مالا . 
وهذا مذهب  الشافعي  ،  وأبي يوسف  ، وأهل البصرة    . حكاه عنهم  أحمد    . وإن لم يجد له مالا ، ولم تكن للمدعي بينة ، فكان  أحمد  ينكر التهجم عليه ، ويشتد عليه حتى يظهر . وقال  الشافعي    : إن علم له مكانا ، أمر بالهجوم عليه ، فيبعث خصيانا أو غلمانا لم يبلغوا الحلم ، وثقات من النساء معهم ذوو عدل من الرجال ، فيدخل النساء والصبيان ، فإذا حصلوا في صحن الدار دخل الرجال ، ويؤمر الخصيان بالتفتيش ، ويتفقد النساء النساء ، فإن ظفروا به ، أخذوه فأحضروه . 
وإن استعدى على غائب نظرت ; فإن كان الغائب في غير ولاية القاضي ، لم يكن له أن يعدي عليه ، وله الحكم عليه ، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى . وإن كان في ولايته ، وله في بلده خليفة ، فإن كانت له بينة ، ثبت الحق عنده ، وكتب به إلى خليفته ، ولم يحضره ، وإن لم تكن له بينة ، حاضرة ، نفذه إلى خصمه ليخاصمه عند خليفته ، وإن لم يكن له فيه خليفة ، وكان فيه من يصلح للقضاء ، أذن له في الحكم بينهما ، وإن لم يكن فيه من يصلح للقضاء ، قيل له : حرر دعواك ; لأنه يجوز أن يكون ما يدعيه ليس بحق عنده ، كالشفعة للجار ، وقيمة الكلب ، أو خمر الذمي ، فلا يكلفه الحضور لما لا يقضى عليه به ، مع المشقة فيه ، بخلاف الحاضر ، فإنه لا مشقة في حضوره ، فإذا تحررت ، بعث فأحضر خصمه بعدت المسافة أو قربت . وبهذا قال  الشافعي    . 
وقال  أبو يوسف    : إن كان يمكنه أن يحضر ويعود فيأوي إلى موضعه ، أحضره ، وإلا لم يحضره ، ويوجد من يحكم بينهما . وقيل : إن كانت المسافة دون مسافة القصر ، أحضره ، وإلا فلا . ولنا ، أنه لا بد من فصل الخصومة بين المتخاصمين ، فإذا لم يمكن إلا بمشقة ، فعل ذلك كما لو امتنع من الحضور ، فإنه يؤدب ويعزر ، ولأن إلحاق المشقة به أولى من إلحاقها بمن ينفذه الحاكم ليحكم بينهما . 
وإن كانت امرأة برزة ، لم يشترط في سفرها هذا محرم . نص عليه  أحمد    ; لأنه لحق آدمي ، وحق الآدمي مبني على الشح والضيق . 
				
						
						
