( 8555 ) مسألة ; قال : ولو أن رجلين حربيين جاءا من أرض الحرب ، فذكر كل واحد منهما أنه أخو صاحبه ، جعلناهما أخوين ، وإن كانا سبيا ، فادعيا ذلك بعد أن أعتقا ، فميراث كل واحد منهما لمعتقه إذا لم يصدقهما ، إلا أن تقوم بما ادعياه بينة من المسلمين ، فيثبت النسب ، ويورث كل واحد منهما من أخيه وجملته أن أهل الحرب إذا دخلوا إلينا مسلمين أو غير مسلمين فأقر بعضهم بنسب بعض  ، ثبت نسبهم كما يثبت نسب أهل دار الإسلام من المسلمين وأهل الذمة  بإقرارهم ، ولأنه إقرار لا ضرر على أحد فيه ، فقبل ، كإقرارهم ، بالحقوق المالية ، ولا نعلم في هذا خلافا . 
وإن كانوا سبيا ، فأقر بعضهم بنسب بعض ، وقامت بذلك بينة من المسلمين ، ثبت أيضا ، سواء كان الشاهد أسيرا عندهم أو غير أسير . ويسمى الواحد من هؤلاء حميلا ، أي محمولا ، كما يقال للمقتول قتيل ، وللمجروح جريح ; لأنه حمل من دار الكفر . وقيل سمي حميلا ; لأنه حمل نسبه على غيره . وإن شهد بنسبه الكفار ، لم تقبل . وعن  أحمد  ، رواية أخرى ، أن شهادتهم في ذلك تقبل ; لتعذر شهادة المسلمين به في الغالب ، فأشبه شهادة أهل الذمة  على الوصية في السفر ، إذا لم يكن غيرهم . والمذهب الأول ; لأننا إذا لم نقبل شهادة الفاسق ، فشهادة الكافر أولى ، وإنما لم يقبل إقرارهم ; لما في ذلك من الضرر على السيد ، بتفويت إرثه بالولاء على تقدير العتق ، وإن صدقهما معتقهما ، قبل ; لأن الحق له . 
وإن لم يصدقهما ، ولم تقم بينة بذلك ، لم يرث بعضهم من بعض ، وميراث كل واحد منهما لمعتقه . وهذا قول  الشافعي  ، فيما إذا أقر بنسب أب ، أو أخ أو جد أو ابن عم . وإن أقر بنسب ففيه ثلاثة أوجه ; أحدها ، لا يقبل . والثاني يقبل ; لأنه يملك أن يستولد ، فملك الإقرار به . والثالث ، إن أمكن أن يستولد بعد عتقه ، قبل ; لأنه يملك الاستيلاد بعد عتقه ، وإلا لم يقبل ; لأنه لا يملك قبل عتقه ، أو يستولد قبل عتقه . ويروى عن ابن مسعود  ،  ومسروق  والحسن   وابن سيرين  ، أن إقراره يقبل فيما يقبل فيه الإقرار من الأحرار الأصليين . وبه قال  أبو حنيفة  لأنه مكلف أقر بنسب وإرث مجهول النسب ، يمكن صدقه فيه ، ووافقه المقر له فيه ، فقبل كما لو أقر من له أخ بنسب ابن ، وبهذا الأصل يبطل ما ذكروه . 
ولنا ، ما روى الشعبي  ، أن  عمر  رضي الله عنه كتب إلى  شريح  ، أن لا تورث حميلا ، حتى تقوم به بينة . رواه سعيد    . وقال أيضا : حدثنا سفيان  عن ابن جدعان  عن  سعيد بن المسيب  قال : كتب  عمر بن الخطاب    : أن لا تورث حميلا إلا ببينة . ولأن إقراره يتضمن إسقاط حق معتقه من ميراثه ، فلم يقبل ، كما لو أقر أنه مولى لغيره ، فإن غيره شريكه في ولائه ، وفارق الإقرار من الحر الذي له أخ ; لأن الولاء نتيجة الملك ، فجرى مجراه ، ولأن  [ ص: 272 ] الولاء ثبت عن عوض ، والأخوة بخلافه ، ألا ترى أنه لو قال لغيره : أعتق عبدك عني وعلي ثمنه . صح ، ولم يثبت له إلا الولاء ؟ وإذا ثبت أنه بعوض ، كان أقوى من النسب ، وإنما قدمنا النسب في الميراث لقربه ، لا لقوته ، كما نقدم ذوي الفروض على العصبة مع قربهم . ( 8556 ) 
فصل : وإذا كانا مختلفي الدين  ، لم يثبت النسب بإقرارهما ، وإن لم يتوارثا ; لأنه يحتمل أن يسلم الكافر منهما فيرث ; ولذلك لو أقرا بالنسب في حال رقهما ، لم يثبت لاحتمال التوارث بالعتق . وإن ولد لكل واحد منهما ابن من حرة ، فأقر كل واحد منهما للآخر أنه ابن عمه ، احتمل أن يقبل إقراره ; لأنه لا ولاء عليه ، فيقبل إقراره ; لوجود المقتضي لقبوله ، وانتفاء المعارض . واحتمل أن لا يقبل ; لأنه يرثه المسلمون ، ولأنه إذا لم يقبل إقرار الأصول ، فالفروع أولى فإن قلنا : يقبل إقرارهما . فأقر أحدهما لأبي الآخر أنه عمه ، لم يثبت الإقرار بالنسبة إلى أنه ابن أخيه ; لأنه لو ثبت لورث عمه دون مولاه المعتق له . 
وهل يثبت بالنسبة إلى العم فيرث ابن أخيه ؟ يحتمل أن يثبت ; لانتفاء الولاء عن ابن الأخ فلا تفضي صحة الإقرار إلى إسقاط الولاء والأولى أنه لا يثبت ; لأنه لم يثبت بالنسبة إلى أحد الطرفين ، فلم يثبت في الآخر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					