فصل : ، ويحرم فرار مسلم من كافرين ويحرم فرار ( جماعة من مثليهم )  لقوله تعالى { فإن يكن منكم مائة صابرة  [ ص: 46 ] يغلبوا مائتين    } قال  ابن عباس  من فر من اثنين فقد فر ، ومن فر من ثلاثة فما فر " ( ويلزمهم ) أي : المسلمين ( الثبات وإن ظنوا التلف ) لقوله تعالى { إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار    } ; ولأنه صلى الله عليه وسلم عد الفرار من الكبائر ( إلا متحرفين لقتال ) لقوله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله    } . 
( ومعنى التحرف ) لقتال  أن ينحازوا إلى موضع يكون القتال فيه أمكن ، ( مثل أن ينحازوا من ضيق إلى سعة ، أو من معطشة إلى ماء أو من نزول إلى علو أو من استقبال شمس أو ريح إلى استدبارهما ، أو يفروا بين أيديهم لينقض صفهم ، أو تنفر خيلهم من رجالتهم ، أو ليجدوا فيهم فرصة أو يستندوا إلى جبل ونحو ذلك ) مما جرت به عادة أهل الحرب قال  عمر    : يا سارية الجبل " فانحازوا إليه وانتصروا على عدوهم ( أو متحيزين إلى فئة ناصرة تقاتل معهم ، ولو بعدت ) لعموم قوله تعالى { أو متحيزا إلى فئة    } . 
( قال  القاضي  لو كانت الفئة بخراسان  والفئة بالحجاز  لجاز التحيز إليها ) لحديث  ابن عمر  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إني فئة لكم   } وكانوا بمكان بعيد منه . 
وقال  عمر    { إنا فئة لكل مسلم   } وكان بالمدينة  وجيوشه بالشام  والعراق  وخراسان  رواهما سعيد    . 
( وإن زادوا على مثليهم فلهم الفرار ) قال "  ابن عباس  لما نزلت " { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين    } شق ذلك على المسلمين ، حين فرض الله عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ، ثم جاء التخفيف ، فقال { الآن خفف الله عنكم    } فلما خفف عنهم من العدد ، نقص من الصبر بقدر ما خفف من القدر رواه أبو داود  وظاهره : أنه يجوز لهم الفرار مع أدنى زيادة    ( وهو ) أي : الفرار ( أولى ) من الثبات ( إن ظنوا التلف بتركه ) أي : الفرار ، وأطلق  ابن عقيل  استحباب الثبات للزائد ، لما في ذلك من المصلحة ( وإن ظنوا الظفر فالثبات أولى )  [ ص: 47 ] من الفرار ( بل يستحب ) الثبات لإعلاء كلمة الله ، ولم يجب ; لأنهم لا يأمنون العطب ( كما لو ظنوا الهلاك فيهما ) أي : في الفرار والثبات ( ف ) يستحب الثبات وأن ( يقاتلوا ، ولا يستأسروا قال ) الإمام ( :  أحمد    : ما يعجبني أن يستأسروا وقال : يقاتل أحب إلي الأسر شديد ولا بد من الموت وقال : يقاتل ، ولو أعطوه الأمان ، قد لا يفوا ، وإن استأسروا جاز ) . 
قال في البلغة وغيرها : وقال  عمار    " " من استأسر برئت منه الذمة " فلهذا قال : الآجري :   يأثم ، وإنه قول  أحمد    ( فإن جاء العدو بلدا فلأهله التحصن منهم وإن كانوا ) أي : أهل الحصن ( أكثر من نصفهم ، ليلحقهم مدد أو قوة ) ولا يكون ذلك توليا ولا فرارا إنما التولي بعد اللقاء ( وإن لقوهم خارج الحصن فلهم التحيز إلى الحصن ) ليلحقهم مدد أو قوة ; لأنه بمنزلة التحرف للقتال أو التحيز لفئة . 
( وإن غزوا فذهبت دوابهم ) لشرود أو قتل ( فليس ذلك عذرا في الفرار ) إذ القتال ممكن بدونها ( وإن تحيزوا إلى جبل ليقاتلوا فيه رجالة  جاز ) ; لأنه من التحرف للقتال   ( وإن فروا ) أي : المسلمون ( قبل إحراز الغنيمة  ، فلا شيء لهم إن أحرزها غيرهم ) ; لأن ملكها لمن أحرزها . 
( وإن قالوا ) أي : الفارون ( إنهم فروا متحرفين للقتال ، فلا شيء لهم أيضا ) ; لأنهم لم يشهدوا الواقعة حال تقضي الحرب ، والاعتبار به كما يأتي   ( وإن ألقي في مركبهم ) أي : المسلمين ( نار فاشتعلت  ، فعلوا ما يرون فيه السلامة ) ; لأن حفظ الروح واجب ، وغلبة الظن كاليقين في أكثر الأحكام فهنا كذلك ( من المقام أو الوقوع في الماء ) ليتخلصوا من النار ( فإن شكوا ) في أيهما السلامة ( فعلوا ما شاءوا ) ; لأنهم ابتلوا بأمرين ، ولا مزية لأحدهما على الآخر ( كما لو تيقنوا الهلاك فيهما ، أو ظنوه ظنا متساويا أو ظنوا السلامة ) فيهما ( ظنا متساويا ) قال  أحمد    : كيف شاء صنع . 
وقال الأوزاعي    : هما موتتان فاختر أيسرهما انتهى وهم ملجئون إلى الإلقاء ، فلا ينسب إليهم الفعل بوجه ، فلا يقال : ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة . 
				
						
						
