[ ص: 555 ] مسألة : وبيع العبد ، وابتياعه بغير إذن سيده  جائز ، ما لم ينتزع سيده ماله فإن انتزعه فهو حينئذ مال السيد ، لا يحل للعبد التصرف فيه ، برهان ذلك - : قول الله - تعالى - : { وأحل الله البيع    } فلم يخص حرا من عبد . 
وقال - تعالى - : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم    } فلو كان بيع العبد ماله بغير إذن سيده حراما لفصله - عز وجل - لنا ، ولما ألجأنا فيه إلى الظنون الكاذبة ، والآراء المدبرة . 
فإذ لم يفصل لنا تحريمه ، فصح أنه حلال غير حرام ، وقد ذكرنا في " كتاب الزكاة " من ديواننا هذا وغيره صحة ملك العبد لماله ; وأما انتزاع السيد مال العبد  فقد صح { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطى الحجام أجره وسأل عن ضريبته ؟ فأمر مواليه أن يخففوا عنه منها   } . 
روينا من طريق  مسلم  أنا  عبد بن حميد  أنا  عبد الرزاق  أنا  معمر  عن  عاصم  عن الشعبي  عن  ابن عباس    [ قال ] { حجم النبي صلى الله عليه وسلم عبد لبني بياضة  فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته   } . 
فصح أن العبد يملك لأنه عليه السلام أعطاه أجره فلو لم يكن له ما أعطاه ما ليس له - وصح أن للسيد أخذه بأمره عليه السلام بأن يخفف عنه من خراجه ، فصح أن مال العبد له ما لم ينتزعه سيده ، وصح أن للسيد أخذ كسب عبده لنفسه . 
واختلف الناس في هذا فقال  أبو حنيفة    : إذا ادان العبد ببيع أو ابتياع بغير إذن سيده فهي جناية في رقبته ، ويلزم السيد فكه بها أو إسلامه إلى صاحب دينه . 
قال  أبو محمد    : أول ما يقال لهم : من أين قلتم هذا ؟ وليس هذا الحكم موجودا في قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا رأي يعقل له وجه ، بل هو ضد ذلك كله ، قال الله - تعالى - : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى    } . 
فبطل أن يكسب الحر أو العبد على سيده ، أو على غير نفسه إلا حيث أوجبه النص كالعاقلة . 
 [ ص: 556 ] ثم وجه آخر - وهو قوله : إن البيع والابتياع جناية - وهذا تخليط آخر ، وقال  مالك    : إذا تداين العبد بغير إذن سيده  فلسيده فسخ الدين عنه - وهذا باطل شنيع ، لأنه إباحة لأكل أموال الناس بالباطل ، وقد حرمه الله - تعالى - ، ورسوله عليه السلام قال - تعالى - : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم    } . 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام   } . 
ومن عجائب الدنيا أنهم يوجبون على من لم يبلغ جزاء ما جنى ، وكذلك المجنون ، ثم يسقطون البيع الواجب عن العبد العاقل ، ثم أتوا من ذلك بقول لم يأت قط في قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول أحد قبل  مالك  نعلمه ، ولا في قياس ، ولا رأي له وجه . 
وعجب آخر - وهو أنهم يقولون : إن وجدت السلعة التي اشترى العبد بيده  وجب ردها إلى صاحبها ، فليت شعري من أين وجب إزالة السلعة عن يد العبد ، ولم يجب إغرامه الثمن عنها إن لم توجد . 
ولئن كانت السلعة مال البائع : فإن الثمن ماله . 
ولئن كان الثمن ليس هو مال البائع ، فإن السلعة ليست ماله ، بل قد عكس الأمر ههنا أقبح العكس وأوضحه فسادا ; لأنه رد إلى البائع سلعة قد بطل ملكه عنها ، وصح ملك العبد المشتري عليها ، فأعطاه ما ليس له ولم يعطه الثمن الذي هو له بلا شك - وهذه طوام لا نظير لها . 
وقال  الشافعي    : بل الثمن دين عليه في ذمته إذا أعتق يوما ما ؟ وهذا قول في غاية الفساد ; لأنه إن كان الثمن لازما للعبد فلأي معنى يؤخر به إلى أن يعتق . 
ولئن كان الثمن ليس لازما الآن فلا يجوز إغرامه إياه إذا أعتق . 
ولئن كان ابتياعه صحيحا فإن الثمن عليه الآن واجب . 
ولئن كان ابتياعه فاسدا فما يلزمه ثمن إنما يلزمه قيمة ما أتلف فقط . 
 [ ص: 557 ] فهذه آراء فاسدة متخاذلة متناقضة ، لا دليل على صحة شيء منها ، واختلافهم فيها دليل على أنها ليست من عند الله عز وجل ، فتيقن كل موقن سقوطها كلها . 
وقولنا هو قول  أبي سليمان  ، وأصحابنا ، وقد ذكرناه أيضا عن  الحسن بن علي  رضي الله عنهما وعن غيره - وبالله - تعالى - التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					