( وتجب استتابة المرتد والمرتدة ) لاحترامهما بالإسلام قبل وربما عرضت شبهة بل الغالب أنها لا تكون عن عبث محض وروى الدارقطني خبر أنه { صلى الله عليه وسلم أمر في امرأة ارتدت أن يعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا قتلت } ، وإنما لم يستتب العرنيين لأنهم حاربوا والمرتد إذا حارب لا يستتاب كذا قيل وفيه نظر بل الذي يتجه وجوب الاستتابة حتى فيمن حارب لأن تحتم قتله لا يمنع طلب استتابته لينجو من الخلود في النار وحينئذ فالذي يتجه في الجواب أنها واقعة حال محتملة أنه صلى الله عليه وسلم علم منهم أنهم لا يتوبون أو علم أنهم من أهل النار قيل كان ينبغي أن يعبر بقتلها إن لم تتب لأنه الذي خالف فيه أبو حنيفة ، وهو عجيب فإنه صرح به بعد ( وفي قول يستحب ) كالكافر الأصلي ( وهي ) على القولين ( في الحال ) للخبر الصحيح { من بدل دينه فاقتلوه } ومر ندب تأخيرها إلى صحو السكران ( وفي قول ثلاثة أيام ) لأثر فيه عن عمر رضي الله عنه ( فإن أصرا ) أي الرجل والمرأة على الردة ( قتلا ) للخبر المذكور لعموم من فيه والنهي عن قتل النساء محمول على الحربيات وللسيد قتل قنه والقتل هنا بضرب العنق دون ما عداه ولا يتولاه إلا الإمام أو نائبه فإن افتات عليه أحد عزر ولو قال عند القتل عرضت لي شبهة فأزيلوها لأتوب ناظرناه وجوبا ما لم يظهر منه تسويف بعد الإسلام وهو الأولى أو قبله على الأوجه فإن الحجة مقدمة على السيف فاغتفر له هذا الزمن القصير للحاجة ولا يدفن في مقابرنا لكفره ولا في مقابر المشركين لما سبق له من حرمة الإسلام كذا قالوه وهو مشكل فإنه أخس منهم وحرمة الإسلام لم يبق لها أثر ألبتة بعد الموت ( وإن أسلم صح ) إسلامه ( وترك ) لقوله تعالى { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وللخبر الصحيح { فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم } وشمل كلامه من كفر بسبه صلى الله عليه وسلم أو بسب نبي غيره ، وهو المعتمد مذهبا لكن اختير قتله مطلقا ونقل الفارسي والخطابي من أئمتنا الإجماع عليه في سب هو قذف لا مطلقا هذا هو صواب النقل عن الفارسي وممن بالغ في الرد عليه الغزالي وللسبكي هنا ما اعترف بخروجه عن المذهب فليحذر أيضا ولم يحتج هنا للتثنية [ ص: 97 ] لفوات المعنى السابق الحامل عليها ، وهو الإشارة للخلاف فاندفع ما قيل الأحسن أسلما ليوافق ما قبله
( وقيل لا يقبل إسلامه إن ارتد إلى كفر خفي كزنادقة وباطنية ) ؛ لأن التوبة عند الخوف عين الزندقة والزنديق من يظهر الإسلام ويخفي الكفر كذا ذكراه في ثلاثة مواضع وذكرا في آخر أنه من لا ينتحل دينا ورجحه الإسنوي وغيره بأن الأول المنافق وقد غايروا بينهما ، والباطني من يعتقد أن للقرآن باطنا غير ظاهره ، وأنه المراد منه وحده أو مع الظاهر وليس منه خلافا لمن وهم فيه إشارات الصوفية التي في تفاسيرهم كتفسير السلمي والقشيري ؛ لأن أحدا منهم لم يدع أنها مرادة من لفظ القرآن ، وإنما هي من باب أن الشيء يتذكر بذكر ماله به نوع مشابهة ، وإن بعدت .
ولا بد في الإسلام مطلقا وفي النجاة من الخلود في النار كما حكى عليه الإجماع في شرح مسلم من التلفظ بالشهادتين من الناطق فلا يكفي ما بقلبه من الإيمان ، وإن قال به الغزالي وجمع محققون ؛ لأن تركه للتلفظ بهما مع قدرته عليه وعلمه بشرطيته أو شطريته لا يقصر عن نحو رمي مصحف بقذر ولو بالعجمية ، وإن أحسن العربية على المنقول المعتمد والفرق [ ص: 98 ] بينه وبين تكبيرة الإحرام جلي بترتيبهما ثم الاعتراف برسالته صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب ممن ينكرها أو البراءة من كل دين يخالف دين الإسلام وبرجوعه عن الاعتقاد الذي ارتد بسببه ولا يعزر مرتد تاب على أول مرة خلافا لما يفعله جهلة القضاة ومن جهلهم أيضا أن من ادعي عليه عندهم بردة أو جاءهم بطلب الحكم بإسلامه يقولون له تلفظ بما قلت وهذا غلط فاحش فقد قال الشافعي رضي الله عنه إذا ادعي على رجل أنه ارتد ، وهو مسلم لم أكشف عن الحال وقلت له قل أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله ، وأنك بريء من كل دين يخالف دين الإسلام انتهى ويؤخذ من تكريره رضي الله عنه لفظ أشهد أنه لا بد منه في صحة الإسلام ، وهو ما يدل عليه كلام الشيخين في الكفارة وغيرها لكن خالف فيه جمع وفي الأحاديث ما يدل لكل


