قوله تعالى : فمن فرض فيهن الحج  قال  أبو بكر   : قد اختلف السلف  في تأويله ، فقال  ابن عباس  رواية  والحسن   وقتادة   " فمن أحرم " وروى  شريك  عن أبي إسحاق  عن  ابن عباس   : فمن فرض فيهن الحج  قال : " التلبية  " وكذلك روي عن  عبد الله بن مسعود   وابن عمر   وإبراهيم النخعي   وطاوس   ومجاهد   وعطاء  وقالت عمرة  عن  عائشة   : " لا إحرام إلا لمن أهل ولبى  " . قال  أبو بكر   : قول من تأول قوله تعالى : فمن فرض فيهن الحج  على من أحرم لا يدل على أنه رأى الإحرام جائزا بغير تلبية ؛ لأنه جائز أن يقول : " فمن أحرم وشرط الإحرام  أن يلبي " فلم يثبت عن أحد من السلف  جواز الدخول في الإحرام بغير تلبية أو ما يقوم مقامها من تقليد الهدي وسوقه . 
وأصحابنا لا يجيزون الدخول في الإحرام إلا بالتلبية وتقليد الهدي وسوقه ، والدليل على ذلك حديث قراد بن أبي نوح  قال : حدثنا  نافع  عن  ابن عمر  ، عن  ابن أبي مليكة  عن  عائشة  أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي كأنها حزينة فقال : ما لك ؟ فقالت : لا أنا قضيت عمرتي وألفاني الحج عاركا ، قال : ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم  فحجي وقولي ما يقول المسلمون في حجهم وذلك يدل على وجوب التلبية ؛ لأنها الذي يقوله المسلمون عند الإحرام وأمره صلى الله عليه وسلم على الوجوب ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : خذوا عني مناسككم  . 
والتلبية من المناسك ، وقد فعلها عند الإحرام ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل  عليه السلام فقال : مر أمتك يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج فيضمن ذلك معنيين : فعل التلبية ، ورفع الصوت بها ، وقد اتفقوا على أن رفع الصوت غير واجب ، فبقي حكمه في فعل التلبية ويدل عليه أن الحج ، والعمرة ينتظمان أفعالا متغايرة مختلفة مفعولة بتحريمة واحدة ، فأشبهت الصلاة لما تضمنت أفعالا متغايرة مختلفة مفعولة بتحريمة واحدة كان شرط الدخول فيها الذكر ، كذلك الحج والعمرة واجب أن يكون الدخول فيهما بالذكر ، أو ما يقوم مقامه وقال أصحابنا : " إذا قلد بدنة وساقها وهو يريد الإحرام فقد أحرم " ، وقد روى ابنا  جابر  عن أبيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن من قلد بدنة فقد أحرم  . 
واختلف  [ ص: 383 ] السلف  في ذلك فقال  ابن عمر   : " إذا قلد بدنته فقد أحرم " ، وكذلك روي عن  علي  وقيس بن سعد   وابن مسعود   وابن عباس   وطاوس   وعطاء   ومجاهد   والشعبي   ومحمد بن سيرين   وجابر بن زيد   وسعيد بن جبير   وإبراهيم  ، وهذا على أنه قلدها وساقها ، وهو يريد الإحرام ؛ لأنه لا خلاف أنه إذا لم يرد الإحرام لا يكون محرما ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إني قلدت الهدي فلا أحل إلى يوم النحر فأخبر أن تقليد الهدي وسوقه كان المانع له من الإحلال ، فدل على أن لذلك تأثيرا في الإحرام وأنه قائم مقام التلبية في باب الدخول فيه كما كان له تأثير في منع الإحلال ، والدليل على أن التقليد بانفراده لا يوجب الإحرام ، ما روت  عائشة  عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يبعث بهديه ويقيم فلا يحرم عليه شيء وكذلك قالت  عائشة   : " لا يحرم إلا من أهل ولبى " تعني ممن لم يسق هديه ولم يخرج معه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					