واختلف أهل العلم في لبن الفحل ، وهو الرجل يتزوج المرأة فتلد منه ولدا وينزل لها لبن بعد ولادتها منه فترضع به صبيا ؛  فإن من قال بتحريم لبن الفحل يحرم هذا الصبي على أولاد الرجل وإن كانوا من غيرها ، ومن لا يعتبره لا يوجب تحريما بينه وبين أولاده من غيرها . فممن قال بلبن الفحل  ابن عباس  وروى  الزهري  عن عمرو بن الشريد  عن  ابن عباس  أنه سئل عن رجل له امرأتان أرضعت هذه غلاما وهذه جارية ، هل يصح للغلام أن يتزوج الجارية ؟  فقال : " لا ، اللقاح واحد " ، وهو قول القاسم  وسالم   وعطاء   وطاوس   . 
وذكر الخفاف  عن سعيد  عن  ابن سيرين  قال : " كرهه قوم ولم ير به قوم بأسا ، ومن كرهه كان أفقه من الذين لم يروا به بأسا " وذكر  عباد بن منصور   . قال : قلت للقاسم بن محمد   : امرأة أبي أرضعت جارية من الناس بلبان إخوتي من أبي أتحل لي  ؟ قال : " لا ، أبوك أبوها " فسألت  طاوسا   والحسن  فقالا مثل ذلك ، وسألت  مجاهدا  فقال : " اختلف فيه الفقهاء فلست أقول فيه شيئا " وسألت  محمد بن سيرين  فقال مثل قول  مجاهد  وسألت  يوسف بن ماهك  فذكر حديث أبي قعيس   . وقال  أبو حنيفة   وأبو يوسف   ومحمد   وزفر   ومالك   والثوري   والأوزاعي   والليث   والشافعي   : " لبن الفحل يحرم " . وقال  سعيد بن المسيب   وإبراهيم النخعي  وأبو سلمة بن عبد الرحمن   وعطاء بن يسار   وسليمان بن يسار   : " إن لبن الفحل لا يحرم شيئا من قبل الرجال " وروي مثله عن  رافع بن خديج   . 
والدليل على صحة القول الأول حديث  الزهري   وهشام بن عروة  عن  عروة  عن  عائشة   : أن أفلح أخا أبي القعيس  جاء ليستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب ، قالت فأبيت أن آذن له ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته ، قال : ليلج عليك فإنه عمك قلت : إنما أرضعتني المرأة . ولم يرضعني الرجل قال : ليلج عليك فإنه عمك تربت يمينك وكان أبو  [ ص: 69 ] القعيس  زوج المرأة التي أرضعت  عائشة   . ويدل عليه من جهة النظر أن سبب نزول اللبن هو ماء الرجل والمرأة جميعا ؛ لأن الحمل منهما جميعا ، فوجب أن يكون الرضاع منهما كما كان الولد منهما وإن اختلف سببهما . 
فإن قيل : قد روى  مالك  عن  عبد الرحمن بن القاسم  عن أبيه عن  عائشة  أنها كانت تدخل عليها من أرضعته أخواتها وبنات أخيها ولا تدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها   . قيل له : هذا غير مخالف لما ورد في لبن الفحل ؛ إذ كان لها أن تأذن لمن شاءت من محارمها وتحجب من شاءت . ويدل عليه أيضا من جهة النظر أن البنت محرمة على الجد وإن لم تكن من مائه ؛ لأنه كان سبب حدوث الأب الذي هو من مائه ، كذلك الرجل لما كان هو سبب نزول اللبن من المرأة وجب أن يتعلق به التحريم وإن لم يكن اللبن منه ؛ إذ كان هو سببه كما يتعلق به التحريم من جهة الأم . والمنصوص عليه في التنزيل من الرضاع الأمهات والأخوات من الرضاعة ، إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنقل المستفيض الموجب للعلم أنه قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب واتفق الفقهاء على استعماله ؛ والله أعلم . 
				
						
						
