باب فضل تجديد الوضوء 
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار في فضيلة تجديد الوضوء ، منها ما حدثنا من لا أتهم قال : حدثنا محمد بن زيد  قال : حدثنا سعيد  قال : حدثنا سلام الطويل  عن زيد العمي   [ ص: 332 ] عن  معاوية بن قرة  عن  ابن عمر  قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ مرة مرة وقال : هذا وظيفة الوضوء وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به ثم تحدث ساعة ، ثم دعا بماء فتوضأ مرتين مرتين فقال : هذا وضوء من توضأ به ضاعف الله له الأجر مرتين ، ثم تحدث ساعة ، ثم دعا بماء فتوضأ ثلاثا ثلاثا فقال : هذا وضوئي ووضوء النبيين من قبلي  . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : الوضوء على الوضوء نور على نور  . وقال صلى الله عليه وسلم : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالوضوء عند كل صلاة  . فهذا كله يدل على استحباب الوضوء عند كل صلاة وإن لم يكن محدثا ؛ وعلى هذا يحمل ما روي عن السلف  من تجديد الوضوء عند كل صلاة ؛ وقد روي عن  علي  رضي الله عنه أنه توضأ ومسح على نعليه وقال : ( هذا وضوء من لم يحدث ) ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فثبت بما قدمنا أن قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة  غير موجب للوضوء لكل صلاة ، وثبت أنه غير مستعمل على حقيقته وأن فيه ضميرا به تعلق إيجاب الطهارة وأنه بمنزلة المجمل المفتقر إلى البيان لا يصح الاحتجاج بعمومه إلا فيما قام دليل مراده . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار متواترة في إيجاب الوضوء من النوم ، وهذا يدل على أن القيام إلى الصلاة غير موجب للوضوء لأنه إذا وجب من النوم لم يكن القيام إلى الصلاة بعد ذلك موجبا ، ألا ترى أنه إذا وجب من النوم لم يجب عليه بعد ذلك من حدث آخر وضوء آخر إذا لم يكن توضأ من النوم ؟ فلو كان القيام إلى الصلاة موجبا للوضوء لما وجب من النوم عند إرادة القيام إليها ، كالسببين إذا كان كل واحد منهما موجبا للوضوء ثم وجب من الأول لم يجب من الثاني ؛ وهذا يدل على أن ( من النوم ) هو الضمير الذي في الآية ، فكان تقديره : ( إذا قمتم من النوم ) على ما روي عن  زيد بن أسلم   . ويدل على أن النوم الموجب للوضوء هو النوم المعتاد الذي يجوز أن يقال فيه إنه قام من النوم ، ومن نام قاعدا أو ساجدا أو راكعا لا يقال : إنه قام من النوم وإنما يطلق ذلك في نوم المضطجع ، ومن قال : إن النوم ليس بحدث وإنما وجب به الطهارة لغلبة الحال في وجود الحدث فيه فإن الآية دالة على وجوب الطهارة من الريح ، وإذا كان المعنى على ما وصفنا فيكون حينئذ في مضمون الآية إيجاب الوضوء من النوم ومن الريح  ، وقد أريد به أيضا إيجاب الوضوء من الغائط والبول  وذلك من ضمير الآية ؛ لأنه مذكور في قوله : أو جاء أحد منكم من الغائط  والغائط هو المطمئن من الأرض ، وكانوا يأتونه  [ ص: 333 ] لقضاء حوائجهم فيه ، وذلك يشتمل على وجوب الوضوء من الغائط والبول وسلس البول والمذي ودم الاستحاضة وسائر ما يستتر الإنسان عند وجوده عن الناس  ؛ لأنهم كانوا يأتون الغائط للاستتار عن الناس وإخفاء ما يكون منهم ، وذلك لا يختلف باختلاف الأشياء الخارجة من البدن التي في العادة يسترها عن الناس من سلس البول والمذي ودم الاستحاضة ؛ فدل ذلك على أن هذه الأشياء كلها أحداث يشتمل عليها ضمير الآية . وقد اتفق السلف  وسائر فقهاء الأمصار على نفي إيجاب الوضوء على من نام قاعدا غير مستند إلى شيء ؛ روى  عطاء  عن  ابن عباس   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ذات ليلة حتى نام الناس ثم استيقظوا ، فجاءه  عمر  فقال : الصلاة يا رسول الله فخرج وصلى ؛ ولم يذكر أنهم توضئوا  . وروي عن  أنس  قال : كنا نجيء إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ننتظر الصلاة فمنا من نعس ومنا من نام ولا نعيد وضوءا  . 
وروى  نافع  عن  ابن عمر  قال : ( لا يجب عليه الوضوء حتى يضع جنبه وينام )  . وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في غير هذا الموضع . وروى  أبو يوسف  عن محمد بن عبد الله  عن  عطاء  عن  ابن عباس  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ولا يتوضأ ، فسئل عن ذلك فقال : إني لست كأحدكم إنه تنام عيناي ولا ينام قلبي لو أحدثت لعلمته وهذا الحديث يدل على أن النوم في نفسه ليس بحدث ، وأن إيجاب الوضوء فيه إنما هو لما عسى أن يكون فيه من الحدث الذي لا يشعر به وهو الغالب من حال النائم . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : العين وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء ؛ فلما كان الأغلب في النوم الذي يستثقل فيه النائم وجود الحدث فيه  ، حكم له بحكم الحدث ، وهذا إنما هو في النوم المعتاد الذي يضع النائم جنبه على الأرض ويكون في المضطجع من غير علم منه بما يكون منه ، فإذا كان جالسا أو على حال من أحوال الصلاة لغير ضرورة مثل القيام والركوع والسجود لم تنتقض طهارته ؛ لأن هذه أحوال يكون الإنسان فيها متحفظا ، وإن كان منه حدث علم به . وقد روى يزيد بن عبد الرحمن  عن  قتادة  عن  أبي العالية  عن  ابن عباس  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع فإذا اضطجع استرخت مفاصله  . 
فصل قال  أبو بكر   : قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة  لما كان ضميره ما وصفنا من القيام من النوم أو إرادة القيام إليها في حال الحدث ، فأوجب ذلك تقديم الطهارة من  [ ص: 334 ] الإحداث للصلاة ، وكانت الصلاة اسما للجنس يتناول سائرها من المفروضات والنوافل ، اقتضى ذلك أن تكون من شرائط صحة الصلاة الطهارة  أي صلاة كانت ؛ إذ لم تفرق الآية بين شيء منها ، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : لا يقبل الله صلاة بغير طهور  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					