باب تحريم ما أهل به لغير الله قال الله تعالى : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله  ولا خلاف بين المسلمين أن المراد به الذبيحة إذا أهل بها لغير الله عند الذبح  ، فمن الناس من يزعم أن المراد بذلك ذبائح عبدة الأوثان الذين كانوا يذبحون لأوثانهم ؛ كقوله تعالى : وما ذبح على النصب  وأجازوا ذبيحة النصراني إذا سمى عليها باسم المسيح ،  وهو مذهب  عطاء   ومكحول   والحسن   والشعبي   وسعيد بن المسيب  ، وقالوا : " إن الله تعالى قد أباح أكل ذبائحهم مع علمه بأنهم يهلون باسم المسيح  على ذبائحهم " . 
وهو مذهب  الأوزاعي   والليث بن سعد  أيضا . وقال  أبو حنيفة   وأبو يوسف   ومحمد   وزفر   ومالك   والشافعي   : " لا تؤكل  [ ص: 155 ] ذبائحهم إذا سموا عليها باسم المسيح   " . 
وظاهر قوله تعالى : وما أهل به لغير الله  يوجب تحريمها إذا سمي عليها باسم غير الله ؛ لأن الإهلال به لغير الله هو إظهار غير اسم الله ، ولم تفرق الآية بين تسمية المسيح  وبين تسمية غيره بعد أن يكون الإهلال به لغير الله . وقوله في آية أخرى : وما ذبح على النصب  وعادة العرب في الذبائح للأوثان غير مانع اعتبار عموم الآية فيما اقتضاه من تحريم ما سمي عليه غير الله تعالى . 
وقد روى  عطاء بن السائب  عن زاذان  وميسرة  ، أن  عليا  عليه السلام قال  : " إذا سمعتم اليهود  والنصارى  يهلون لغير الله فلا تأكلوا ، وإذا لم تسمعوهم فكلوا فإن الله قد أحل ذبائحهم " وهو يعلم ما يقولون 
وأما ما احتج به القائلون بإباحة ذلك لإباحة الله طعام أهل الكتاب  مع علمه بما يقولون ، فليس فيه دلالة على ما ذكروا ؛ لأن إباحة طعام أهل الكتاب  معقودة بشريطة أن لا يهلوا لغير الله ؛ إذ كان الواجب علينا استعمال الآيتين بمجموعهما ، فكأنه قال : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ما لم يهلوا به لغير الله . 
فإن قال قائل : إن النصراني إذا سمى الله فإنما يريد به المسيح  عليه السلام فإذا كان إرادته كذلك ولم تمنع صحة ذبيحته وهو مع ذلك مهل به لغير الله ، كذلك ينبغي أن يكون حكمه إذا أظهر ما يضمره عند ذكر الله تعالى في إرادته المسيح   . 
قيل له : لا يجب ذلك ؛ لأن الله تعالى إنما كلفنا حكم الظاهر ؛ لأن الإهلال هو إظهار القول ، فإذا أظهر اسم غير الله لم تحل ذبيحته لقوله : وما أهل به لغير الله  وإذا أظهر اسم الله فغير جائز لنا حمله على اسم المسيح  عنده ؛ لأن حكم الأسماء أن تكون محمولة على حقائقها ولا تحمل على ما لا يقع الاسم عليه عندنا ولا يستحقه . 
ومع ذلك فليس يمتنع أن تكون العبادة علينا في اعتبار إظهار الاسم دون الضمير ، ألا ترى أن من أظهر القول بالتوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم كان حكمه حكم المسلمين مع جواز اعتقاده للتشبيه المضاد للتوحيد ؟ وكذلك قال صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وقد أعلمه الله أن في القوم منافقين يعتقدون غير ما يظهرون ، ولم يجرهم مع ذلك مجرى سائر المشركين بل حكم لهم فيما يعاملون به من أحكام الدنيا بحكم سائر المسلمين على ما ظهر من أمورهم دون ما بطن من ضمائرهم . 
وكذلك جائز أن تكون صحة ذكاة النصراني متعلقة بإظهار اسم الله تعالى ، وأنه متى أظهر اسم المسيح  لم تصح ذكاته ، كسائر المشركين إذا أظهروا على ذبائحهم  [ ص: 156 ] أسماء أوثانهم والله أعلم . 
				
						
						
