( فصل . الصحابي : من لقيه ) الصحابي : من لقيه أي لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، من صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى أو خنثى ( أو رآه يقظة ) في حال كونه صلى الله عليه وسلم ( حيا ) وفي حال كون الرائي ( مسلما . ولو ارتد ) بعد ذلك ( ثم أسلم ولم يره ) بعد إسلامه ( ومات مسلما ) وهذا هو المختار في تفسير الصحابي    ; وهو ما ذهب إليه  الإمام أحمد رضي الله عنه  وأصحابه  والبخاري  وغيرهم . قال بعض الشافعية : وهي طريقة أهل الحديث . 
فقولنا " من لقيه " أحسن من قول بعضهم " من رآه " ليعم اللقاء البصير والأعمى ، وقولنا " يقظة " احتراز ممن رآه مناما ، فإنه لا يسمى صحابيا إجماعا . وقولنا " حيا " احتراز ممن رآه بعد موته كأبي ذؤيب الشاعر خالد بن خويلد الهذلي  ، لأنه لما أسلم وأخبر بمرض النبي صلى الله عليه وسلم : سافر ليراه ، فوجده ميتا مسجى فحضر الصلاة عليه والدفن . فلم يعد صحابيا . وعده ابن منده  في الصحابة ، وقال : مات على الحنيفية . وفي شرح التدريب ، ومن عده من الصحابة فمراده الصحبة الحكمية ، دون الاصطلاحية ، وقولنا " مسلما " ليخرج من رآه واجتمع به قبل النبوة ولم يره بعد ذلك ، كما في زيد بن عمرو بن نفيل    . فإنه مات قبل المبعث . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { إنه يبعث أمة وحده   } كما رواه  النسائي  ، وليخرج أيضا من رآه وهو كافر ، ثم أسلم بعد موته ، وقولنا " ولو ارتد " . ثم أسلم ولم يره ومات مسلما " له مفهوم ومنطوق ، فمفهومه : أنه إذا ارتد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد موته وقتل على الردة ، كابن خطل  وغيره ، فإنه لا يعد من الصحابة قطعا . فإنه بالردة تبين أنه لم يجتمع به مؤمنا تفريعا على قول الأشعري    : إن الكفر والإيمان لا يتبدلان . خلافا للحنفية . والاعتبار فيهما بالخاتمة . ومنطوقه : لو ارتد ثم رجع إلى الإسلام ،  كالأشعث بن قيس  ، فقد تبين أنه لم يزل مؤمنا . فإن كان قد رآه مؤمنا ثم ارتد ثم رآه ثانيا مؤمنا . فأولى وأوضح أن يكون صحابيا . فإن الصحبة قد صحت بالاجتماع الثاني قطعا . وخرج  [ ص: 293 ] من اجتمع به قبل النبوة ثم أسلم بعد المبعث ولم يلقه . فإن الظاهر أنه لا يكون صحابيا بذلك الاجتماع ; لأنه لم يكن حينئذ مؤمنا ، كما روى  أبو داود    { عن عبد الله بن أبي الحمساء    . قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فوعدته أن آتيه في مكانه ونسيت ثم ذكرت ذلك بعد ثلاث فجئت . فإذا هو في مكانه . فقال : يا فتى ، لقد شققت علي . أنا في انتظارك منذ ثلاث   } ثم لم ينقل أنه اجتمع به بعد المبعث ، ودخل في قولنا " من لقي { من جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير مميز فحنكه النبي صلى الله عليه وسلم . كعبد الله بن الحارث بن نوفل  ، أو تفل في فيه  كمحمود بن الربيع  ، بل مجه بالماء   } كما في  البخاري  ، { وهو ابن خمس سنين أو أربع   } . { أو مسح وجهه   } ، كعبد الله بن ثعلبة بن صعير    - بالصاد وفتح العين المهملتين - ونحو ذلك . فهؤلاء صحابة ، وإن اختار جماعة خلاف ذلك كما هو ظاهر كلام  ابن معين  وأبي زرعة  الرازي   وأبي حاتم   وأبي داود   وابن عبد البر  ، وكأنهم نفوا الصحبة المؤكدة ( قال في الأصل ) أي قال صاحب التحرير في التحرير ( ولو جنيا في الأظهر ) أي ولو كان من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما جنيا  في الأظهر من قولي العلماء ليدخل الجن الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم من نصيبين وأسلموا ، وهم تسعة أو سبعة من اليهود  بدليل قوله تعالى { إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى    } وذكر في أسمائهم : شاص ، وماص ، وناشى ، ومنشى ، والأحقب ، وزوبعة ، وسرق ، وعمر ، وجابر . وقد استشكل  ابن الأثير  في كتابه " أسد الغابة " قول من ذكرهم من الصحابة . فإن بعضهم لم يذكرهم في الصحابة ، وبعضهم ذكرهم قال في شرح التحرير قلت : الأولى أنهم من الصحابة . فإنهم لقوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وأسلموا ، وذهبوا إلى قومهم منذرين ( والصحابة عدول ) قال الشيخ تقي الدين  وغيره : الذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف : أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين عدول بتعديل الله تعالى لهم . وقال  ابن الصلاح  وغيره : الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة  ، ولا يعتد بخلاف من خالفهم ا هـ .  [ ص: 294 ] وحكاه  ابن عبد البر  في مقدمة الاستيعاب إجماع أهل السنة والجماعة  ، وحكى فيه إمام الحرمين  الإجماع ، وتعديل الله تعالى لهم بما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم من قوله تعالى { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه    } وقوله تعالى { لقد رضي الله عن المؤمنين    } وقوله تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم    } وقوله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس    } وقوله تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا    } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { لو أنفق أحدكم مثل أحد  ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه   } وهذا وإن ورد على سبب خاص ، فالعبرة بعموم اللفظ ، ولا يضرنا كون الخطاب بذلك للصحابة ; لأن المعنى : لا يسب غير أصحابي أصحابي " ولا يسب أصحابي بعضهم بعضا ، وقال صلى الله عليه وسلم { خير القرون قرني   } متفق عليهما ، وقد تواتر امتثالهم الأوامر والنواهي ، فإن قيل : هذه الأدلة دلت على فضلهم ، فأين التصريح بعدالتهم ؟ فالجواب : أن من أثنى الله سبحانه وتعالى عليه بهذا الثناء كيف لا يكون عدلا ؟ فإذا كان التعديل يثبت بقول اثنين من الناس . فكيف لا تثبت العدالة بهذا الثناء العظيم من الله سبحانه وتعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ ( والمراد من لم يعرف بقدح ) قال ابن مفلح  في أصوله : ومرادهم من جهل حاله . فلم يعرف بقدح . قال  الماوردي    : والحكم بالعدالة إنما هو لمن اشتهرت عدالته . نقله البرماوي  قال في شرح التحرير : والظاهر أن هنا في النسخة غلطا . انتهى . وقيل : هم عدول إلى زمن الفتنة بقتل عثمان  رضي الله عنه . وبعده كغيرهم . وقالت المعتزلة    : إلا من قاتل  عليا  لخروجه على الإمام بغير حق . وقيل : هم كغيرهم مطلقا . قال ابن قاضي الجبل    : وهذه الأقوال باطلة بعضها منسوب إلى  عمرو بن عبيد  وأضرابه ، وما وقع بينهم محمول على الاجتهاد ، ولا قدح على مجتهد عند المصوبة وغيرهم .  [ ص: 295 ] انتهى . وليس المراد بكونهم عدولا : العصمة واستحالة المعصية عليهم ، إنما المراد أن لا نتكلف البحث عن عدالتهم ، ولا طلب التزكية فيهم . فلو قال ثقة : حدثني رجل من الصحابة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا : كان ذلك كتعيينه باسمه لاستواء الكل في العدالة . فائدة : قال الحافظ المزي    : من الفوائد أنه لم يوجد قط رواية عمن لمز بالنفاق ، يعني ممن يعد من الصحابة    ( وتابعي مع صحابي . كهو ) أي كالصحابي ( معه ) أي مع النبي صلى الله عليه وسلم قال  ابن الصلاح  والنووي  وغيرهما في التابعي مع الصحابي : الخلاف في الصحابة قياسا عليهم . واشترط  الخطيب البغدادي  وجماعة في التابعي الصحبة ، فلا يكتفى بمجرد الرؤية ولا اللقاء ، بخلاف الصحابة . فإن لهم مزية على سائر الناس وشرفا برؤيته صلى الله عليه وسلم . واشترط ابن حبان في التابعي : كونه في سن يحفظ عنه ، بخلاف الصحابي . فإن الصحابة قد اختصوا بشيء لم يوجد في غيرهم ( ولا يعتبر علم بثبوت الصحبة ) في حق من لم تعلم صحبته بتواتر أو اشتهار عند الأئمة الأربعة ، خلافا لبعض الحنفية ( فلو قال معاصر عدل : أنا صحابي  قبل ) عند أصحابنا والجمهور : لأنه ثقة مقبول القول . فقبل في ذلك كروايته . وقيل : لا يقبل . وإليه ميل الطوفي  في مختصره ، وهو ظاهر كلام ابن القطان  المحدث . وبه قال  أبو عبد الله الصيمري  من الحنفية ( لا ) إن قال ( تابعي عدل : فلان صحابي ) فإنه لا يقبل في الأصح ، لكونهم خصوا ذلك بالصحابي على ما في الصحابي من الخلاف . قال بعض شراح اللمع : لا أعرف فيه نقلا . والذي يقتضيه القياس : أنه لا يقبل ; لأن ذلك مرسل ; لأنها قضية لم يحضرها ( و ) إن قال العدل ( أنا تابعي . قال في الأصل ) الذي هو التحرير ( فالظاهر كصحابي ) يعني أن العدل المعاصر لبعض الصحابة ، لو قال : أنا تابعي لكوني لقيت بعض الصحابة  ، فإنه يقبل قوله . كما لو قال المعاصر للنبي صلى الله عليه وسلم أنا صحابي ، لأنه ثقة مقبول القول . فقبل قوله كروايته . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					