مسألة نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ  حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ ، أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل ، والظاهر والأظهر ، والعام والأعم ، فقد جوز له  الشافعي   ومالك   وأبو حنيفة  وجماهير الفقهاء أن ينقله على المعنى إذا فهمه ، وقال فريق : لا يجوز إلا إبدال اللفظ بما يرادفه ويساويه في المعنى ، كما يبدل القعود بالجلوس والعلم بالمعرفة والاستطاعة بالقدرة والإبصار بالإحساس بالبصر والحظر بالتحريم وسائر ما لا يشك فيه ، وعلى الجملة ما لا يتطرق إليه تفاوت بالاستنباط والفهم . 
وإنما ذلك فيما فهمه قطعا لا فيما فهمه بنوع استدلال يختلف فيه الناظرون . ويدل على جواز ذلك للعالم الإجماع على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم  ، فإذا جاز إبدال العربية بعجمية ترادفها فلأن يجوز عربية بعربية ترادفها وتساويها أولى ، وكذلك كان سفراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في  [ ص: 134 ] البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم ، وكذلك من سمع شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم فله أن يشهد على شهادته بلغة أخرى ، وهذا لأنا نعلم أنه لا تعبد في اللفظ وإنما المقصود فهم المعنى وإيصاله إلى الخلق ، وليس ذلك كالتشهد والتكبير وما تعبد فيه باللفظ . 
فإن قيل فقد قال : صلى الله عليه وسلم { نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ، فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه   } . قلنا    : هذا هو الحجة ; لأنه ذكر العلة وهو اختلاف الناس في الفقه ، فما لا يختلف الناس فيه من الألفاظ المترادفة فلا يمنع منه . 
وهذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، وإن أمكن أن تكون جميع الألفاظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقات مختلفة ، لكن الأغلب أنه حديث واحد ونقل بألفاظ مختلفة ، فإنه روي { رحم الله امرأ   } و { نضر الله امرأ   } وروي : { ورب حامل فقه لا فقه له   } وروي { حامل فقه غير فقيه   } وكذلك الخطب المتحدة والوقائع المتحدة رواها الصحابة رضي الله عنهم بألفاظ مختلفة فدل ذلك على الجواز . 
				
						
						
