مسألة المرسل مقبول عند  مالك   وأبي حنيفة  والجماهير    . 
ومردود عند  الشافعي   والقاضي  وهو المختار وصورته أن يقول : " قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم من لم يعاصره أو قال من لم يعاصر  أبا هريرة    " قال  أبو هريرة "  والدليل أنه لو ذكر شيخه ولم يعدله وبقي مجهولا عندنا لم نقبله ، فإذا لم يسمه فالجهل أتم ، فمن لا يعرف عينه كيف تعرف عدالته ؟ فإن قيل : رواية العدل عنه تعديل . 
فالجواب من وجهين : 
الأول : أنا لا نسلم ، فإن العدل قد يروي عمن لو سئل عنه لتوقف فيه أو جرحه ، وقد رأيناهم رووا عمن إذا سئلوا عنه عدلوه مرة وجرحوه أخرى أو قالوا لا ندري ، فالراوي عنه ساكت عن تعديله . ولو كان السكوت عن الجرح تعديلا لكان السكوت عن التعديل جرحا ، ولوجب أن يكون الراوي إذا جرح من روى عنه مكذبا نفسه ; ولأن شهادة الفرع ليس تعديلا للأصل ما لم يصرح . وافتراق الرواية والشهادة في بعض التعبدات لا يوجب فرقا في هذا المعنى كما لم يوجب فرقا في منع قبول رواية المجروح والمجهول . 
وإذا لم يجز أن يقال : لا يشهد العدل إلا على شهادة عدل ، لم يجز ذلك في الرواية ووجب فيها معرفة عين الشيخ والأصل حتى ينظر في حالهما . فإن قيل : العنعنة كافية في الرواية مع أن قوله " روى فلان عن فلان عن فلان " يحتمل ما لم يسمعه فلان عن فلان ، بل بلغه بواسطة ومع الاحتمال يقبل ومثل ذلك في الشهادة لا يقبل . قلنا    : هذا إذا لم يوجب فرقا في رواية المجهول . 
والمرسل مروي عن مجهول ، فينبغي أن لا يقبل . ثم العنعنة جرت العادة بها في الكتبة ، فإنهم استثقلوا أن يكتبوا عند كل اسم " روى عن فلان سماعا منه " وشحوا على القرطاس والوقت أن يضيعوه فأوجزوا . وإنما يقبل في الرواية ذلك إذا علم بصريح لفظه أو عادته أنه يريد به السماع ، فإن لم يرد السماع فهو متردد بين المسند والمرسل فلا يقبل . 
الجواب الثاني : أنا إن سلمنا جدلا أن الرواية تعديل فتعديله المطلق لا يقبل ما لم يذكر السبب ، فلو صرح بأنه سمعه من عدل ثقة لم يلزم قبوله ، وإن سلم قبول التعديل  [ ص: 135 ] المطلق فذلك في حق شخص نعرف عينه ولا يعرف بفسق ، أما من لم نعرف عينه فلعله لو ذكره لعرفناه بفسق لم يطلع عليه المعدل ، وإنما يكتفى في كل مكلف بتعريف غيره عند العجز عن معرفة نفسه ولا يعلم عجزه ما لم يعرفه بعينه . 
وبمثل هذه العلة لم يقبل تعديل شاهد الفرع مطلقا ما لم يعرف الأصل ولم يعينه ، فلعل الحاكم يعرفه بفسق وعداوة ، وغيره احتجوا باتفاق الصحابة والتابعين على قبول مرسل العدل ،  فابن عباس  مع كثرة روايته قيل : إنه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أحاديث لصغر سنه ، وصرح بذلك في حديث الربا في النسيئة وقال : " حدثني به  أسامة بن زيد    " وروى { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة    } ، فلما روجع قال : " حدثني به أخي  الفضل بن عباس    " . 
وروى  ابن عمر  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من صلى على جنازة فله قيراط   } ثم أسنده إلى  أبي هريرة    . وروى  أبو هريرة    : أن { من أصبح جنبا في رمضان فلا صوم له   } وقال : ما أنا قلتها ورب الكعبة .  ولكن محمدا  صلى الله عليه وسلم قالها ، فلما روجع قال : " حدثني به  الفضل بن عباس ،  وقال  البراء بن عازب    : ما كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن سمعنا بعضه وحدثنا أصحابه ببعضه . 
أما التابعون فقد قال  النخعي    : إذا قلت حدثني فلان عن عبد الله  فهو حدثني ، وإذا قلت قال عبد الله  فقد سمعته من غير واحد . وكذلك نقل عن جماعة من التابعين قبول المرسل    . والجواب من وجهين ، الأول : أن هذا صحيح ويدل على قبول بعضهم المراسيل ، والمسألة في محل الاجتهاد ولا يثبت فيها إجماع أصلا . 
وفيه ما يدل على أن الجملة لم يقبلوا المراسيل ولذلك باحثوا  ابن عباس   وابن عمر   وأبا هريرة  مع جلالة قدرهم لا لشك في عدالتهم ولكن للكشف عن الراوي . فإن قيل : قبل بعضهم وسكت الآخرون فكان إجماعا . قلنا    : لا نسلم ثبوت الإجماع بسكوتهم لا سيما في محل الاجتهاد ، بل لعله سكت مضمرا للإنكار أو مترددا فيه . 
والجواب الثاني : أن من المنكرين للمرسل من قبل مرسل الصحابي لأنهم يحدثون عن الصحابة وكلهم عدول ، ومنهم من أضاف إليه مراسيل التابعين لأنهم يروون عن الصحابة ، ومنهم من خصص كبار التابعين بقبول مرسله . 
والمختار على قياس رد المرسل أن التابعي والصحابي إذا عرف بصريح خبره أو بعادته أنه لا يروي إلا عن صحابي قبل مرسله ، وإن لم يعرف ذلك فلا يقبل ; لأنهم قد يروون عن غير الصحابي من الأعراب الذين لا صحبة لهم ، وإنما ثبتت لنا عدالة أهل الصحبة . 
قال الزهري  بعد الإرسال : حدثني به رجل على باب عبد الملك .  وقال  عروة بن الزبير  فيما أرسله عن بسرة    : حدثني به بعض الحرس . 
				
						
						
