مسألة [ هل يجب ذكر سبب الجرح والتعديل    ] الجرح والتعديل ، هل يقبلان أو أحدهما من غير ذكر سبب ، فيه  [ ص: 179 ] خلاف ، منشؤه أن المعدل والمجرح هل هو مخبر فيصدق ، أو حاكم ومفت فلا يقلد ؟  أحدها : وهو الصحيح يقبل التعديل من غير سبب ، بخلاف الجرح ; لأن أسباب التعديل كثيرة ، فيشق ذكرها ، بخلاف الجرح ، فإنه يحصل بأمر واحد ، والاختلاف في سبب الجرح ، فربما ذكر شيئا لا جرح فيه ، كما حكي عن  شعبة  أنه قيل له : لم تركت حديث فلان ؟ قال رأيته يركض برذونا ، فتركت حديثه . قال الصيرفي    : ولأن  الشافعي  حكى أنه وقف عند بعض القضاة على رجل يجرح رجلا فسئل ، فقال : رأيته يبول قائما . فقيل له : فما بوله قائما ؟ قال يترشرش عليه ويصلي . فقيل له : رأيته بال قائما يترشرش عليه ثم صلى ؟ فلم يكن عنده جواب ; ولأنه بال قائما ، وهذا القول هو المنصوص  للشافعي  وقال القرطبي    : هو أكثر من قول  مالك    . قال  الخطيب    : وذهب إليه الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده  كالبخاري  ومسلم    . والثاني : عكسه ; لأن مطلق الجرح مبطل الثقة ، ومطلق التعديل لا يحصل به الثقة لتسارع الناس إلى الظاهر ، فلا بد من السبب ، ونقله الإمام  في " البرهان " ، وإلكيا  في " التلويح " ، وابن برهان  في " الأوسط " ،  [ ص: 180 ] والغزالي  في " المنخول " عن القاضي  ، وقال إمام الحرمين    : إنه أوقع في مأخذ الأصول ، وما حكوه عن القاضي  وهم ; لما سيأتي . 
والثالث : أنه لا بد من السبب فيهما أخذا بمجامع كل من الفريقين ، وبه قال الماوردي    . وقد روي أن  عمر    ( رضي الله عنه ) زكي عنده رجل فسأل المزكي عن أحواله فظهر له ما لا يكتفى به . والرابع : عكسه وهو أنه لا يجب ذكر السبب فيهما ; لأنه إن لم يكن بصيرا بهذا الشأن لم يصلح للتزكية ، وإن كان بصيرا به فلا معنى للسؤال ، وهذا هو اختيار  القاضي أبي بكر    . كذا نص عليه في " التقريب " ، وكذا نقله عنه  الخطيب البغدادي  في " الكفاية " والغزالي  في " المستصفى " ، وأبو نصر بن القشيري  في كتابه ، ورد على إمام الحرمين  في نقله عنه ما سبق ، وكذا نقله الماوردي  في " شرح البرهان "  والقرطبي  في " الأصول " ، والآمدي  والإمام الرازي  ، والهندي    . والخامس : إن كان المزكي عالما بأسباب الجرح والتعديل اكتفينا بإطلاقه فيهما ، وإن لم يعرف اطلاعه على شرائطهما استخبرناه عن أسبابهما ، وقال القاضي  في " التقريب " : إن بعض أصحاب  الشافعي  عزاه  للشافعي    . قلت  وهو ظاهر تصرفه ، فإن وجد له نص بالإطلاق حمل على ذلك ، ولا يخرج قولان . 
وقد حكى  القاضي أبو الطيب الطبري  في تعليقه في باب الأواني : أن من أخبر بنجاسة الماء يعتمد خبره إذا بين السبب ، ثم قال : قال  الشافعي  في " الأم " : اللهم إلا أن يعلم من حال المخبر أنه يعلم أن سؤر السباع  [ ص: 181 ] طاهر ، وأن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس فيقبل قوله عند الإطلاق هذا كلامه ، وهو قول إمام الحرمين  ، والغزالي  ، والرازي  ، وقال الهندي    : إنه الصحيح ، وإليه ميل كلام  الخطيب  ، ويحتمل أن يكون هذا هو مذهب القاضي  ، لأنه إذا لم يكن عارفا بشروط العدالة ، لم يصلح للتزكية . 
وهذا حكاه ابن القشيري  في كتابه عن إمام الحرمين    . قال : وقد أشار القاضي  إلى هذا في ، التقريب " أيضا . وحكاه إلكيا الطبري  عن إمام الحرمين  بلفظ : إن كان لا يطلق التعديل إلا بعد استقصاء ،  كمالك  ، فمطلق تعديله كاف ، وإن كان من المتساهلين فلا . ثم قال : ويرد عليه أنه إذا كان من العالمين بشرائط العدالة فالظن أنه استقصى ، وتقدير خلاف ذلك فيه نسبة إلى مخالفة الشرع . فإن علم من حاله ذلك وإلا فليس هو من أهل التعديل ، وكلامنا في التعديل المطلق فيمن هو من أهل التعديل ، فإن من الناس من يقول : هو وإن كان من أهل التعديل إلا أنه عرضة للغلط ، فلا بد وأن يبين لنا المستند ; لئلا نكون مقلدين غير معصوم ، وهذا هو الأصل إلا أن يسقط اعتباره . والإمام  يقول : المعتبر غلبة الظن ، متى حصلت ، وإذا لاح لنا من حال مثل مالك أنه لا يتساهل ، حصلت غلبة الظن ، فيقال : غلبة الظن لا بد أن تستند إلى ضابط الشرع الواضح ، وقد روينا من روى عنه  مالك  في الموطإ ، وقد طعن فيه غيره ، مثل عبد الله بن أبي بكر  ، فإنه من رجال الموطإ ، وقد قدح فيه  سفيان بن عيينة  ، فلا بد من بيان حاله إلا أن يتضمن ذلك عسرا ، كما قاله  الشافعي    . ا هـ . 
وقال ابن دقيق العيد  في " شرح العنوان " وقد حكى هذا المذهب :  [ ص: 182 ] ينبغي أن يشترط في هذا عند التعديل بين يدي الحاكم شرط آخر ، وهو اتفاق مذهبه مع مذهب المعدل في الشرائط المعتبرة في التزكية ، وإلا فمن يعتقد أن المسلم على العدالة ، ويكتفي بظاهر الحال ، فقد يزكي من لا يقبله من يخالفه في هذا المذهب ، وكذا إذا ظهر في مزكي الرواة أن هذا مذهب لذلك المزكي ، فلا ينبغي أن يكتفي به من يخالفه في هذا المذهب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					