[ أحوال الشيخ فيما قرئ عليه ] واعلم أن للشيخ فيما قرئ عليه ثلاثة أحوال . أعلاها    : أن يأذن له في رواية ما قرئ عليه نطقا . الثانية : أن يقرأ عليه ، ويقول له : هل سمعت ؟ فيشير الشيخ بأصبعه أو برأسه  ، فهي كالعبارة فيما سبق ، وقال المازري    : إن قال القارئ عقب القراءة : ائذن لي أن أروي عنك ما قرأته عليك . فقال له : نعم ، أو أشار برأسه ، فاختلفوا فيه ، فالجمهور على أنه مقبول ، وقيل : لا يعمل به ، ولا معنى للخلاف ; لأن قرائن الأحوال تفيد العلم الضروري .  [ ص: 318 ] الثالثة : أن يسكت الشيخ ويغلب على ظن القارئ بقرينة الحال إجابته له  ، فيجب العمل به قطعا ، وكذا جواز الرواية على الأصح . وشرط قوم من المحدثين وغيرهم إقرار الشيخ به نطقا ، والصحيح أنه نوع احتياط ، وسكوته مع سلامة الأحوال من إكراه وغفلة نازل منزلة تصريحه ، وكذا قال  القاضي أبو بكر  ،  والقاضي أبو الطيب  ، وابن القشيري  ، وغيرهم ، واختاره صاحب " الكبريت الأحمر " ، ونقله عن معظم المحدثين ، وإذا نصب الشيخ نفسه للقراءة ، وانتصب لها مختارا ، وهو مستيقظ فهو بمثابة إقراره ، ويمتنع في صورة إشارة الشيخ بالسماع أن يقول الراوي عنه : حدثني ، وأخبرني ، وسمعته ; لأنه ما حدثه ، ولا أخبره ولا سمع منه شيئا ، فلو قال ذلك لكان كذبا ، وهذا منه عجيب ، كما قاله الهندي  يناقضه ما علله به من جواز ذلك في صورة السكوت . 
وممن شرط النطق  الشيخ أبو إسحاق  ، وابن الصباغ  ، وسليم الرازي  ، وابن السمعاني  في " القواطع " . قال ابن دقيق العيد  في " شرح العنوان " : قطع به جماعات من أصحاب  الشافعي  ، وهو اللائق بمذهبه لتردد السكوت بين الإخبار وعدمه ، وقد قال  الشافعي    : لا ينسب إلى الساكت قول . قال : وهذا هو الصواب ، وقد يجوز ذلك اعتمادا على القرائن ، وظاهر الحال . قال : وهذا أليق بمذهب  مالك  ، ونقل أنه نص عليه أو على ما يقتضيه . ا هـ . وقال إلكيا الطبري    : إذا قرئ على الشيخ بحضرته وهو يسمع ويصغي ، حلت الرواية إذا قال الشيخ : هذا الكتاب سماعي ، ولا يشترط  [ ص: 319 ] لفظ الإجازة ، ولا المناولة ، ولكن اصطلح المحدثون مع ذلك على المناولة والإجازة ، فإن الواحد قد يقول : هذا سماعي ، ويعني به أكثره ، أو ربما كان أحكم حروفه ، فإذا قال : أجزت لك أن ترويه عني ، كان دالا على الثبت ، ولذلك يشترط في شهود الأصل تحمل الفرع شهادته . قال : وهذا الذي ذكروه محتمل من قبيل الاستقصاء ، وإلا فالظاهر أن الشيخ إذا قال : هو سماعي ، صار مخبرا عن آحاد ما في الكتاب . إذا ثبت هذا ، فللقارئ أن يقول : قرأت على فلان ، وللسامع أن يقول : قرأ علي فلان ، وأنا أسمع ، وله أن يقول : حدثنا ، أو أخبرنا ، قراءة عليه . 
قال القاضي    : والأولى أن يقول : أخبرني ، أو حدثني قراءة عليه ، أو قرأت عليه ، وهو ساكت مقرر ، فإنه لو أطلق لأمكن أن يكون قرأه تصريحا ، وأن يكون مكتفيا بالسكوت ، فالاحتياط التمييز وأما إطلاق حدثنا أو أخبرنا  ففيه مذاهب : أحدها : المنع منهما جميعا ، وبه قال  ابن المبارك  ، ويحيى بن يحيى  ،  وأحمد بن حنبل  ، والنسائي    ; لأن ظاهرها يقتضي أن الشيخ تولى القراءة بنفسه . وقال القاضي  في " التقريب " : إنه الصحيح . قال : ولذلك لا يقول : سمعت والثاني : التجويز ، وأنه كالسماع من لفظ الشيخ ، وبه قال : الزهري  ،  ومالك  ،  وسفيان بن عيينة  ،  ويحيى بن سعيد القطان  ،  والبخاري    . قال ابن دقيق العيد    : وكان قوم يقولون : أخبرنا فيما سمعوه ، وهي  [ ص: 320 ] عبارة  عبد الرزاق  ،  وهشيم  ، ونقله الصيرفي  ، والماوردي  ، والروياني  عن  الشافعي  ، ثم قال الماوردي  ، والروياني    : الأولى في عرف المحدثين أن حدثنا فيما سمعه من لفظ الشيخ ، وأخبرنا فيما قرأه عليه ، وإن سمع هو قال : حدثني وأخبرني ، أو مع جماعة قال : حدثنا ، وأخبرنا ; لتكون هذه الفروق مذكرة بأحوال السماع . قال  القاضي أبو الطيب    : فلا يقول : سمعت فلانا ، ومنهم من أجازه ، وقال الهندي    : كلام الإمام يعني فخر الدين    - يقتضي وجود الخلاف في جواز سمعت ، وكلام غيره يدل على أنه لا خلاف فيها . والثالث : المنع من إطلاق حدثنا ، وتجويز أخبرنا ، ونقل عن  الشافعي  وأصحابه ، ومسلم بن الحجاج  ، وجمهور أهل المشرق ، وقال الربيع    : قال  الشافعي  ، إذا قرأت على العالم ، فقل : أخبرنا ، وإذا قرأ عليك ، فقل : حدثنا ، ولهذا قال  الشيخ أبو إسحاق    : إنه المذهب فيما إذا قرأ الشيخ نطقا ; لأن الإخبار يستعمل في كل ما يتضمن الإعلام ، والتحديث لا يستعمل إلا فيما سمع من فيه . 
قال : ابن دقيق  في " شرح العنوان " : وهو اصطلاح المحدثين في الآخر والاحتجاج له ليس بأمر لغوي ، وإنما هو اصطلاح منهم أرادوا به التمييز بين النوعين . ومنع الإمام فخر الدين  في صورة إشارة الشيخ بالسماع أن يقول الراوي عنه : حدثني ، أو أخبرني ، أو سمعته ; لأنه ما حدثه ، ولا أخبره ، ولا  [ ص: 321 ] سمع منه شيئا فلو قال ذلك لكان كاذبا ، وهذا منه عجيب كما قاله الهندي  ، يناقضه ما علل به من جواز ذلك في صورة السكوت من أن الإخبار لغة لإفادة الخبر والعلم ، وهذا السكوت قد أفاده فله أن يقول : حدثني ، وأخبرني ، وإذا كان مجرد السكوت يعطي ذلك ، فلأن يعطيه السكوت مع الإشارة بالرضى من طريق الأولى ، وقال  ابن فورك    : بين قوله : حدثني وأخبرني فرق ; لأن أخبرني يجوز أن يكون بالكتابة إليه ، وحدثني لا يحتمل غير السماع . 
				
						
						
