[ كتابة الشيخ إلى غيره ] الثالثة : أن يكتب الشيخ إلى غيره : سمعت من فلان كذا  ، فللمكتوب إليه إذا علم خطه ، أو ظنه ، بأن أخبره عدل بأنه خطه ، أو شاهده يكتب . أن يعمل به ويرويه عنه ، إذا اقترنت الكتابة بلفظ الإجازة ، بأن قال : أجزت لك ما كتبته إليك  ، فإن تجردت الكتابة فأجاز الرواية بها كثير من المتقدمين ، وبالغ أبو المظفر بن السمعاني  فقال : إنها أقوى من الإجازة ، وظاهر كلام إلكيا الطبري  أنه بمنزلة السماع . قال : لأن الكتاب أحد اللسانين ، وكان صلى الله عليه وسلم يبلغ بالكتاب الغائب ، وبالخطاب الحاضر . قال : ولو بعث إليه رسولا وأخبره بالحديث ، حلت له الرواية ; لأن الرسول ينقل  [ ص: 322 ] كلام المرسل ، فكان بمنزلة الكتاب ، بل أوثق منه ; لأنه لا ينطق بما فيه ، والرسول ناطق ، وكان عليه السلام يكتب إلى عماله تارة ويرسل أخرى ، وقال الصيرفي    : كان  مالك  يكتب إلى الرجل بالبلد الآخر : قد كتبت كتابي هذا ، وختمته بخاتمي ، فاروه عني . 
وقال أبو الحسين بن القطان    : منهم من قال : إذا ورد عليه كتابه ، ووقع في نفسه صحة ذلك عمل به ، وقيل : لا بد أن يثبت شهادة شاهدين على شرط كتاب القاضي  ، ويصير كأن الشاهدين هما الواسطة في ذلك . وقال  البيهقي  في " المدخل " : الآثار في هذه كثيرة عن التابعين ، والاتباع لمن بعدهم ، وفيها دلالة على أن جميع ذلك واسع عندهم ، وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عماله بالأحكام شاهدة لقولهم . ا هـ . قال : إلا أن ما سمعه من الشيخ فوعاه ، أو قرئ عليه وأقر به فحفظه ، يكون أولى بالقبول مما كتب به إليه لما يخاف على الكتاب من التغيير والإحالة ا هـ . وكيفية الرواية أن يقول : كتب إلي ، وأخبرني كتابة ، لأن الكاتب قد ذكر الإخبار في كتابه فلا بأس بقوله أخبرنا . وجوز الإمام فخر الدين الرازي  قوله : أخبرني مجردا عن قوله كتابة لصدق ذلك لغة ، وجرى عليه ابن دقيق العيد  في " شرح العنوان " . قال : وأما تقييده بكتابة فينبغي أن يكون هذا أدبا ; لأن القول إذا كان مطابقا جاز إطلاقه ، ولكن العمل مستمر على ذلك عند الأكثرين فهي بين كونه كتابة وإجازة . 
وجوز  الليث بن سعد  إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالكتابة والمختار  [ ص: 323 ] خلافه ، وقال  البيهقي    : المجوزون للكتابة توسع فيه بعضهم فجوز أن يقول : أخبرني ، وحدثني ، كما في القراءة والسماع ، وشرط آخرون هنا التعيين استعمالا للصدق في الرواية . هذا كله تفريع على جواز الرواية بالكتابة . ونقل  القاضي عياض  أن الذي عليه الجمهور من أرباب النقل وغيرهم جواز الرواية لأحاديث الكتابة ، ووجوب العمل بها ، وأنها داخلة في المسند  ، وذلك بعد ثبوت صحتها عند المكتوب إليه بها ووثوقه بأنها عن كاتبها . ومنع قوم من الرواية بها ، منهم الماوردي  والروياني  ، قالا : وأما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت ترد على يد مرسله ، فيعول على خبرهم ، وممن نقل عنه إنكار قبولها  أبو الحسن الدارقطني الحافظ    . وقال إمام الحرمين  في " النهاية " : كل كتاب لم يذكره حامله فهو مرسل ،  والشافعي  لا يرى التعلق بالمرسل ، وإليه أشار الغزالي  أيضا ، فقال : لأن روايته شهادة عليه بأنه قاله ، والخط لا يعرفه . نعم ، له أن يقول رأيته مكتوبا في كتاب بخط ظننت أنه خط فلان ، فإن الخط يشبه الخط . فإن عرف أنه خطه قطعا بأن سمع منه يقول : هذا خطي أو بطريق آخر ، فإنه مع ذلك لا يجوز له أن يروي عنه ما لم يسلطه على الرواية بصريح قوله ، أو قرائن تفيد ذلك ، كالجلوس لرواية الحديث ; لأنه يجوز أن يكون قد سمعه ، ثم يتشكك فيه ، ولا يرى روايته عنه ، فإنه ليس كل ما سمعه الإنسان ، فإنه يرى نقله عنه ، ومعه كيف تجوز الرواية ؟ . وأما الإمام فخر الدين  وأتباعه من الأصوليين ، فإنهم جوزوا العمل به ،  [ ص: 324 ] وأن يقول : أخبرني في روايته عنه ، ولا يقول : سمعت ولا حدثني ، وقد جمع الهندي  بين هذا وكلام الغزالي  بأن كونه كتب إليه قرينة دالة على التسليط على الرواية عنه عند الإمام  ، والغزالي  يمنع ذلك ، والأول أولى ، إذ لا فائدة في أن يكتب إليه ذلك ، فإن مجرد الإخبار عن ذلك ، مما لا فائدة له . وبالمنع جزم الآمدي  أيضا . هذا كله في غير الأكمه ، فأما الأكمه مثل  قتادة  ، فالمنع فيه أقوى . 
				
						
						
