فصل [في زكاة النخل والثمار] 
وإذا كان القمح مختلفا جيدا ورديئا أخذ من كل شيء منه بقدره  ، ولم يؤخذ من الوسط . وكذلك إذا اجتمع القمح والشعير والسلت ، أو اجتمع أصناف القطاني ، أخذ من كل شيء بقدره ولم يؤخذ من الوسط . وكذلك أصناف الزبيب . 
واختلف في التمر ، فقال  مالك  في المدونة : إذا كان ذلك جنسا واحدا -جعرورا كله أو غيره- أخذ منه ، ولم يكن عليه أن يأتي بأفضل منه ، وإن كانت أجناسا أخذ من الوسط . 
وقال في كتاب محمد   : يؤخذ من كل صنف منها بقدره ، قيل له : فإن كان جل  [ ص: 1083 ] ذلك الجيد ، والقليل من الخبيث ، فقال : يؤخذ من كل صنف ما يصيبه من حصته من الصدقة ، وقال في المجموعة : إذا كان جيدا كله أو رديئا كله فليتبع الوسط ، وقاله  عبد الملك بن الماجشون  وابن نافع-  قال : بمنزلة الغنم تعد سخالها ولا تؤخذ ، يريد : لو كانت سخالا كلها أنه يأتي بالزكاة من غيرها . وقوله في كتاب محمد  أصوب ، وهو الحق . 
وأصل الزكوات في العين الذهب والفضة والحبوب  أنها من عين المزكى ، لا من غيره . ويصرف إلى المساكين ما وجب لهم من ذلك إذا كان مما يدخر : كالتمر والزبيب والقمح وغيرها ، ولا يباع عليهم شيء مما وجب لهم من ذلك ؛ إلا أن يكون في بيعه حسن نظر لهم ، فإن باع ذلك من وجبت عليه زكاته لنفسه فأدرك فسخ البيع ، وإن فات ذلك ، جاز بيعه وغرم مثله للمساكين ، فإن باعه لهم نظر في ذلك ، فإن كان إجازة البيع حسن نظر لهم مضى ، وإلا رد إن كان قائما ، أو أغرم المثل إن ذهب به المشتري . 
وأما البلح ، والزهو ، والرطب الذي لا يتمر ، والعنب الذي لا يتزبب ،  [ ص: 1084 ] الشأن أن أربابه يبيعونه لما كان لا يدخر ؛ فيباع ذلك جملة وتخرج الزكاة من الثمن ؛ لأن فيه حسن نظر للمساكين ، ولا كلفة على المالك في بيعه جملة ، وإن أخرج عين ذلك وصرفه في المساكين ولم يبعه أجزأه . وقال  مالك  في الجلجلان : إن كان يعصر أخذ من زيته ، وإن كان يبيعونه حبا أخذ من ثمنه . 
وقال  أشهب  في مدونته في الزيتون يبيعه صاحبه قبل عصره : إن المصدق فيه بالخيار ، إن شاء أخذ منه زكاة ثمنه ، وإن شاء أخذ مكيلة زكاته ويعصره له . وقال محمد بن عبد الحكم   : تجب الزكاة فيه حبا وليس عليهم عصره ، وهو أقيس لقول الله -عز وجل- : وآتوا حقه يوم حصاده   [الأنعام : 141] . قال  محمد بن مسلمة   : جعل الله وقتها ذلك لا تؤخر عنه ولا تقدم قبله ، وهذا يتضمن إخراج الزكاة منه على هيئة ما هو عليه وقت حصاده  ، وهو مفهوم الحديث أن الزكاة جزء من المكيلة التي هي خمسة أوسق ، وقياسا على سائر الحبوب أنها تخرج زكاتها إذا صارت حبا . وكذلك الجلجلان ليس عليه عصره وإن كان ممن يعصر نصيبه منه . 
وقال  مالك  في كتاب محمد  في العنب : تخرج مكيلة ذلك زبيبا . قيل له : فإن كان أهله إنما يبيعونه عنبا في السوق كل يوم ، ولا يعرف خرصه ، ولا يجد  [ ص: 1085 ] من يخرصه له ، قال : وأرى أن يؤدي من ثمنه . 
وقال  مالك  فيمن باع الفول أخضر : أحب إلي أن يتوخى خرص ذلك يابسا وإن زاد قليلا . 
وقال  مالك   : لا بأس أن يبيع الرجل زرعه عند حصاده ، ويكون المبتاع أمينا عليه يخبره بكيله ، ويخرج الزكاة على ذلك . قال : ولا بأس أن يشترط بائع الحائط الزكاة على مشتريه ، يريد : إذا كان المشتري أمينا وممن يوثق بقوله ، وإلا فعليه أن يخرصه ولا يقتدي بقوله لأنه لا يدري أصدقه أم كذبه ؟ وكذلك إذا اشترط الزكاة على المشتري ، يجوز له إذا كان المشتري ثقة ممن لا يتهم في إمساكها ، ولا في القدر الذي يخرجه ، وإن كان ربها يقبض ذلك فيخرجه بنفسه فقد يخونه فيما يدفعه إليه إذا كان غير مأمون ، وهذا إذا كان البيع بعد الخرص ، أو قبل وعلم أن فيه ما تجب فيه الزكاة بأمر لا يشك فيه ، فإن شك فيه لم يجز البيع إلا أن يشترط ذلك الجزء على كل حال ، فإن وجبت فيه الزكاة صرف ذلك للمساكين ، وإن لم تجب فيه الزكاة أخذ البائع ذلك  [ ص: 1086 ] الجزء لنفسه ، وبعد أن يعلم المشتري هل هو بالنضح فيكون المستثنى نصف العشر ، أو بعلا أو سيحا فيكون العشر . 
وإذا كان معلوما أن فيه خمسة أوسق فأكثر فسرقت الثمرة قبل الجداد ، أو بعد الجداد ، ولم يتراخ عن الإخراج ، لم يضمن المشتري الزكاة ، وإن سرق البعض وبقي ما لا زكاة فيه كان للبائع جزء الزكاة ، وإن لم يشترط البائع على المشتري الزكاة فأصاب الثمرة بعد البيع جائحة لم تسقط الزكاة عن البائع ؛ لأن الثمن له لا يرجع عليه المشتري فيه بشيء إذا كانت الجائحة بعد اليبس ، ولأن المالك لما باع رضي أن تكون الزكاة مضمونة عليه يدفعها من ذمته . 
واختلف إذا سلمت الثمرة أو الزرع ، وأعسر البائع قبل دفع الزكاة  ، فقال  ابن القاسم   : يرجع على المشتري بقدر الزكاة إذا كان قائما ، ويرجع هو على البائع متى أيسر ، وقال  أشهب   : لا شيء على المشتري ، وهو أحسن إذا كان البيع ليخرج الزكاة ، ثم حدث ما منع من ذلك ، فإن كان ممن يعلم أنه لا يخرج زكاته أخذ ذلك من المشتري قائما كان أو فائتا ؛ لأن الأول متعد في بيع جزء المساكين . قال  مالك   : وإن وهب الثمرة قبل طيبها كان زكاتها على الموهوب له ، وإن كان وهبها بعد طيبها كانت الزكاة على الواهب ، وقيل :  [ ص: 1087 ] 
زكاتها منها ، وهذا أبين إذا كان سقيها على الموهوب له ، وإن كان ربها يسقيها كانت زكاتها عليه ؛ لأن الهبة تتضمن جميعها ، بمنزلة ما لو باعها ، فإن البيع يتضمن جميعها جزء الزكاة وغيره . فإن قال : "إنما قصدت أن تكون زكاتها منها" أحلف على ذلك وزكيت منها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					