[ ص: 129 ] جماع أبواب سيرته في كلامه وتحريكه يده حين يتكلم ، أو يتعجب ، ونكشه الأرض بعود ، وتشبيكه أصابعه ، وتسبيحه ، وتحريكه رأسه ، وعض شفتيه ، وضربه بيده على فخذه عند التعجب صلى الله عليه وسلم
الباب الأول
في صفة كلامه صلى الله عليه وسلم
وفيه أنواع :
النوع الأول : في ترتله .
روى أبو داود ، وابن سعد عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتيلا أو ترسيلا .
وروى الترمذي ، وابن سعد ، والشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم هذا ، ولكنه كان يتكلم بكلام فصل ، يحفظه من يجلس إليه ، لو عده العاد لأحصاه .
وروى أبو داود عنها قالت : كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا ، يفهمه كل من يسمعه .
وروى الخلعي عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم نزرا ، وأنتم تنثرون الكلام نثرا .
النوع الثاني : في إعادته صلى الله عليه وسلم الكلمة ثلاثا لتعقل .
وصح عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه .
وروى أبو داود عن رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث حديثا أعاده ثلاث مرات .
وروى الإمام أحمد والبخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم سلم ثلاثا ، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا .
[ ص: 130 ] وروى أبو سعد النيسابوري في شرف النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدث بالحديث ، أو سئل عنه كرره ثلاثا ليفهم عنه .
وروى أبو بكر الشافعي عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم ثلاثا .
النوع الثالث : في تبسمه صلى الله عليه وسلم في حديثه .
روى أبو بكر بن أبي خيثمة عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث حديثا إلا وهو يتبسم في حديثه .
وروى البخاري وابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم يرى كالنور من بين ثناياه .
النوع الرابع : في رفعه صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء إذا حدث .
روى أبو داود وقاسم بن إصبع ، وبقي بن مخلد ، عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حدث -وفي لفظ : إذا جلس يتحدث- يكبر ويرفع طرفه إلى السماء .
النوع الخامس : في طول صمته ، وقلة تكلمه لغير حاجة .
وروى الترمذي وأبو الشيخ والبيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكت ، يفتتح الكلام ، ويختتمه بأشداقه ، ويتكلم بجوامع الكلم ، فصلا لا فضول فيه ، ولا تقصير .
وروى الحارث بن أبي أسامة والبيهقي عن أم معبد رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صمت فعليه الوقار ، وإذا تكلم سماه وعلاه البهاء ، كان حسن المنطق .
وروى الإمام أحمد وأبو بكر الشافعي عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الصمت ، وفي لفظ : طويل الصمت .
النوع السادس : في كنايته صلى الله عليه وسلم عما يستقبح ذكره .
وروى ابن ماجه ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة رفاعة القرظي جاءت [ ص: 131 ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن رفاعة طلقني ، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وإنما معه مثل الهدبة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ! لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» .
النوع السابع : في قوله صلى الله عليه وسلم مرحبا .
روى البخاري في الأدب عن علي رضي الله تعالى عنه قال : استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم فعرف صوته ، فقال : «مرحبا بالطيب المطيب» .
وروى فيه أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : أقبلت فاطمة رضي الله تعالى عنها تمشي-مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال : «مرحبا» ، ثم أجلسها عن يمينه ، أو عن شماله .


