الآية الثانية قوله تعالى : { وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا    } . 
فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى لما قال لنوح  عليه السلام : { أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن    } حين استنفد ما في أصلاب الرجال وما في أرحام النساء من المؤمنين ، دعا عليهم نوح  بقوله : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا    } فأجاب الله دعوته ، وأغرق أمته . وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم : { اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، هازم الأحزاب ، اهزمهم وزلزلهم   } . 
 [ ص: 269 ] المسألة الثانية دعا نوح  على الكافرين أجمعين ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على من تحزب على المؤمنين ، وألب عليهم ، وكان هذا أصلا في الدعاء على الكفار  في الجملة ، فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه ; لأن مآله عندنا مجهول ، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة للسعادة ; وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء على عتبة  وشيبة  وأصحابه لعلمه بمآلهم ، وما كشف له من الغطاء عن حالهم . والله أعلم المسألة الثالثة إن قيل : لم جعل نوح  دعوته على قومه سببا لتوقفه عن طلب الشفاعة للخلق من الله في الآخرة . 
قلنا : قال الناس : في ذلك وجهان : أحدهما أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة ; والشفاعة تكون عن رضا ورقة ، فخاف أن يعاتب بها ، فيقال : دعوت على الكفار بالأمس وتشفع لهم اليوم . 
الثاني : أنه دعا غضبا بغير نص ولا إذن صريح في ذلك ; فخاف الدرك فيه يوم القيامة ، كما قال موسى    : إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها . وبهذا أقول  والله أعلم ، وتمامه قد ثبت في القسم الثاني . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					