باب وصية من لا يعيش مثله    2536 - ( عن  عمرو بن ميمون  قال : رأيت  عمر بن الخطاب  قبل أن يصاب بأيام بالمدينة  وقف على  حذيفة بن اليمان  وعثمان بن حنيف  قال : كيف فعلتما أتخافا أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ قالا : حملناها أمرا هي له مطيقة ، وما فيها كثير فضل ، قال : انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق قال : قالا : لا ، فقال  عمر    : لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق  لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا ; قال : فما أتت عليه رابعة حتى أصيب ، قال : إني لقائم ما بيني وبينه إلا  عبد الله بن عباس  غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين . قال : استووا ، حتى إذا لم ير فيهن خللا تقدم وكبر ، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول : قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه ، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم تسعة ; فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا ; فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه ; وتناول  عمر  يد  عبد الرحمن بن عوف  فقدمه ،  [ ص: 56 ] فمن يلي  عمر  فقد رأى الذين أرى ، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون ، غير أنهم قد فقدوا صوت  عمر  وهم يقولون : سبحان الله ، سبحان الله ، فصلى بهم عبد الرحمن  صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال : يا  ابن عباس  انظر من قتلني ، فجال ساعة ثم جاء فقال : غلام المغيرة  ، فقال : الصنع ؟ قال : نعم ، قال : قاتله الله لقد أمرت به معروفا ، الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة  ، وكان  العباس  أكثرهم رقيقا ، فقال : إن شئت فعلت : أي إن شئت قتلنا ، قال : كذبت بعد ما تكلموا بلسانكم ، وصلوا قبلتكم ، وحجوا حجكم ; فاحتمل إلى بيته ، فانطلقنا معه ، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، فقائل يقول : أخاف عليه ، فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه . ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه ، فعلموا أنه ميت ، فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه ، وجاء رجل شاب ، فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة فقال : وددت ذلك كفافا لا علي ولا لي ; فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض ، فقال : ردوا علي الغلام ، قال : يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك ، يا  عبد الله بن عمر  انظر ما علي من الدين ، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا ونحوه ، قال : إن وفى له مال آل  عمر  فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب  ، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش  ولا تعدهم إلى غيرهم ، فأد عني هذا المال ; انطلق إلى  عائشة أم المؤمنين  فقل : يقرأ عليكم  عمر  السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين ، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل : يستأذن  عمر بن الخطاب  أن يدفن مع صاحبيه ، فسلم واستأذن ، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال : يقرأ  عمر بن الخطاب  عليكم السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريده لنفسي ، ولأوثرنه به اليوم على نفسي ; فلما أقبل قيل : هذا  عبد الله بن عمر  قد جاء ، قال : ارفعوني ، فأسنده رجل إليه فقال : ما لديك ؟ قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين ; أذنت . قال : الحمد لله ما كان شيء أهم إلي من ذلك ، فإذا قبضت فاحملوني ، ثم سلم فقل : يستأذن  عمر بن الخطاب  ، فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين ; وجاءت  أم المؤمنين حفصة  والنساء تسير تتبعها ; فلما رأيناها قمنا ، فولجت عليه فبكت عنده ساعة ، واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم ، فسمعنا بكاءها من الداخل ، فقالوا : أوص يا أمير  [ ص: 57 ] المؤمنين ، استخلف ، فقال : ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وهو عنهم راض فسمى  عليا  وعثمان   والزبير   وطلحة   وسعدا  وعبد الرحمن  وقال : يشهدكم  عبد الله بن عمر  وليس له من الأمر شيء ، كهيئة التعزية له ، فإن أصابت الإمرة  سعدا  فهو ذاك . وإلا فليستعن به أيكم ما أمر ، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة . وقال : أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين  الأولين أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار  خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم ، وأن يعفو عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرا ، فهم ردء الإسلام ، وجباة المال ، وغيظ العدو ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم وأوصيه بالأعراب  خيرا ، فإنهم أصل العرب  ، ومادة الإسلام ، أن يؤخذ من حواشي أموالهم ، ويرد في فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من وراءهم ، ولا يكلفوا إلا طاقتهم . فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي ، فسلم  عبد الله بن عمر  ، فقال : يستأذن  عمر بن الخطاب  ، قالت : أدخلوه ، فأدخل ، فوضع هنالك مع صاحبيه ; فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط ، فقال عبد الرحمن    : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم ، فقال  الزبير    : قد جعلت أمري إلى علي ، فقال  طلحة    : قد جعلت أمري إلى عثمان    . وقال  سعد    : قد جعلت أمري إلى  عبد الرحمن بن عوف  ، فقال  عبد الرحمن بن عوف    : أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه ، فأسكت الشيخان ، فقال عبد الرحمن    : أفتجعلونه إلي ، والله علي أن لا آلو عن أفضلكم ، قالا : نعم ، فأخذ بيد أحدهم فقال : لك من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت ، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ، ولئن أمرتعثمان  لتسمعن ولتطيعن ، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك ; فلما أخذ الميثاق قال : ارفع يدك يا عثمان  ، فبايعه وبايعه  علي  ، وولج أهل الدار فبايعوه رواه  البخاري  ، وقد تمسك به من رأى للوصي والوكيل أن يوكلا ) 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					