القول في تأويل قوله تعالى : ( وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب    ( 4 ) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب   ( 5 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وعجب هؤلاء المشركون من قريش  أن جاءهم منذر ينذرهم بأس الله على كفرهم به من أنفسهم ، ولم يأتهم ملك من السماء بذلك ( وقال الكافرون هذا ساحر كذاب   ) يقول : وقال المنكرون وحدانية الله : هذا ،  [ ص: 149 ] يعنون محمدا   - صلى الله عليه وسلم - ساحر كذاب . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( وعجبوا أن جاءهم منذر منهم   ) يعني محمدا   - صلى الله عليه وسلم - ( وقال الكافرون هذا ساحر كذاب   ) 
حدثنا محمد  قال : ثنا أحمد  قال : ثنا أسباط ،  عن  السدي  قوله ( ساحر كذاب ) يعني محمدا   - صلى الله عليه وسلم -  . 
وقوله ( أجعل الآلهة إلها واحدا   ) يقول : وقال هؤلاء الكافرون الذين قالوا : محمد  ساحر كذاب : أجعل محمد  المعبودات كلها واحدا ، يسمع دعاءنا جميعنا ، ويعلم عبادة كل عابد عبده منا ( إن هذا لشيء عجاب   ) : أي إن هذا لشيء عجيب . 
كما حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب    ) قال : عجب المشركون أن دعوا إلى الله وحده ، وقالوا : يسمع لحاجاتنا جميعا إله واحد! ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة . 
وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه ، من ذلك - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : أسألكم أن تجيبوني إلى واحدة تدين لكم بها العرب ، وتعطيكم بها الخراج العجم " فقالوا : وما هي ؟ فقال : " تقولون لا إله إلا الله " ، فعند ذلك قالوا : ( أجعل الآلهة إلها واحدا   ) تعجبا منهم من ذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب   وابن وكيع  قالا ثنا أبو أسامة  قال : ثنا الأعمش  قال : ثنا عباد ،  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس  قال : لما مرض أبو  [ ص: 150 ] طالب  دخل عليه رهط من قريش  فيهم أبو جهل بن هشام  فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ، ويفعل ويفعل ، ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته ، فبعث إليه ، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل البيت ، وبينهم وبين أبي طالب  قدر مجلس رجل قال : فخشي أبو جهل  إن جلس إلى جنب أبي طالب  أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس ، ولم يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسا قرب عمه ، فجلس عند الباب ، فقال له أبو طالب   : أي ابن أخي ، ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم ، وتقول وتقول قال : فأكثروا عليه القول ، وتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها ، تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية " ، ففزعوا لكلمته ولقوله ، فقال القوم : كلمة واحدة ؟ نعم وأبيك ، عشرا ، فقالوا : وما هي ؟ فقال أبو طالب   : وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : " لا إله إلا الله " قال : فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم ، وهم يقولون : ( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب   ) قال : ونزلت ، من هذا الموضع إلى قوله ( لما يذوقوا عذاب   ) اللفظ لأبي كريب   . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا معاوية بن هشام  عن سفيان ،  عن يحيى بن عمارة  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس  قال : مرض أبو طالب  فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده ، وهم حوله جلوس ، وعند رأسه مكان فارغ ، فقام أبو جهل  فجلس فيه ، فقال أبو طالب   : يا ابن أخي ما لقومك يشكونك ؟ قال : يا عم أريدهم على كلمة تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية قال : ما هي ؟ قال : لا إله إلا الله " فقاموا وهم يقولون : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق   ) ونزل القرآن : ( ص والقرآن ذي الذكر   ) ذي الشرف ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق   ) حتى قوله ( أجعل الآلهة إلها واحدا   )  . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا يحيى بن سعيد  عن سفيان ،  عن الأعمش  عن يحيى بن عمارة  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس  قال : مرض أبو  [ ص: 151 ] طالب  ثم ذكر نحوه ، إلا أنه لم يقل : ذي الشرف ، وقال : إلى قوله ( إن هذا لشيء عجاب   ) . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا سفيان ،  عن الأعمش  عن يحيى بن عمارة  عن سعيد بن جبير  قال : مرض أبو طالب  قال : فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده ، فكان عند رأسه مقعد رجل ، فقام أبو جهل  فجلس فيه ، فشكوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي طالب  وقالوا : إنه يقع في آلهتنا ، فقال : يا ابن أخي ما تريد إلى هذا ؟ قال : " يا عم إني أريدهم على كلمة تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم العجم الجزية " قال : وما هي ؟ قال : " لا إله إلا الله " ، فقالوا : ( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب   )  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					