القول في تأويل قوله تعالى : ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد    ( 6 ) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق   ( 7 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وانطلق الأشراف من هؤلاء الكافرين من قريش  ، القائلين : ( أجعل الآلهة إلها واحدا   ) بأن امضوا فاصبروا على دينكم وعبادة آلهتكم . ف" أن " من قوله ( أن امشوا ) في موضع نصب يتعلق انطلقوا بها ، كأنه قيل : انطلقوا مشيا ، ومضيا على دينكم . وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله   : " وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا على آلهتكم " . وذكر أن قائل ذلك كان عقبة بن أبي معيط   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا سفيان ،  عن إبراهيم بن مهاجر  عن مجاهد   : ( وانطلق الملأ منهم   ) قال : عقبة بن أبي معيط   . 
 [ ص: 152 ] وقوله ( إن هذا لشيء يراد   ) : أي إن هذا القول الذي يقول محمد  ، ويدعونا إليه ، من قول لا إله إلا الله ، شيء يريده منا محمد  يطلب به الاستعلاء علينا ، وأن نكون له فيه أتباعا ولسنا مجيبيه إلى ذلك . 
وقوله ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة   ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد  من البراءة من جميع الآلهة إلا من الله - تعالى ذكره - وبهذا الكتاب الذي جاء به في الملة النصرانية ، قالوا : وهي الملة الآخرة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  قال : ثنا عبد الله  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة   ) يقول : النصرانية  . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة   ) يعني النصرانية ، فقالوا : لو كان هذا القرآن حقا أخبرتنا به النصارى   . 
حدثني محمد بن إسحاق  قال : ثنا  يحيى بن معين  قال : ثنا ابن عيينة  عن ابن أبي لبيد  عن القرطبي  في قوله ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة   ) قال : ملة عيسى   . 
حدثني محمد بن الحسين  قال : ثنا أحمد بن المفضل  قال : ثنا أسباط  عن  السدي   ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة   ) النصرانية  . 
وقال آخرون : بل عنوا بذلك : ما سمعنا بهذا في ديننا دين قريش   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا حكام ،  عن عنبسة ،  عن محمد بن عبد الرحمن  عن القاسم بن أبي بزة  عن مجاهد ،  في قوله ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة   ) قال : ملة قريش   . 
 [ ص: 153 ] حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قوله ( في الملة الآخرة   ) قال : ملة قريش   . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة   ) : أي في ديننا هذا ، ولا في زماننا قط  . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد ،  في قوله ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة   ) قال : الملة الآخرة : الدين الآخر . قال : والملة الدين  . وقيل : إن الملأ الذين انطلقوا نفر من مشيخة قريش  ، منهم أبو جهل  والعاص بن وائل  والأسود بن عبد يغوث   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن الحسين  قال : ثنا أحمد بن المفضل  قال : ثنا أسباط ،  عن  السدي  أن أناسا من قريش  اجتمعوا ، فيهم أبو جهل بن هشام  والعاص بن وائل  والأسود بن المطلب  والأسود بن عبد يغوث  في نفر من مشيخة قريش  ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى أبي طالب  فلنكلمه فيه ، فلينصفنا منه ، فيأمره فليكف عن شتم آلهتنا ، وندعه وإلهه الذي يعبد ، فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ ، فيكون منا شيء ، فتعيرنا العرب فيقولون : تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه قال : فبعثوا رجلا منهم يدعى المطلب ، فاستأذن لهم على أبي طالب  فقال : هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم يستأذنون عليك قال : أدخلهم ، فلما دخلوا عليه قالوا : يا أبا طالب  أنت كبيرنا وسيدنا ، فأنصفنا من ابن أخيك ، فمره فليكف عن شتم آلهتنا ، وندعه وإلهه قال : فبعث إليهأبو طالب  فلما دخل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم ، وقد سألوك النصف ، أن تكف عن شتم آلهتهم ، ويدعوك وإلهك قال : فقال : " أي عم أولا أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها ؟ "  [ ص: 154 ] قال : وإلام تدعوهم ؟ قال : " أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم " قال : فقال أبو جهل  من بين القوم : ما هي وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها قال : " تقولون لا إله إلا الله " . قال : فنفروا وقالوا : سلنا غير هذه قال : " لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها " قال : فغضبوا وقاموا من عنده غضابا وقالوا : والله لنشتمنك والذي يأمرك بهذا ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد   ) . . إلى قوله ( إلا اختلاق ) وأقبل على عمه ، فقال له عمه : يا ابن أخي ما شططت عليهم ، فأقبل على عمه فدعاه ، فقال : " قل كلمة أشهد لك بها يوم القيامة ، تقول : لا إله إلا الله " ، فقال : لولا أن تعيبكم بها العرب يقولون جزع من الموت لأعطيتكها ، ولكن على ملة الأشياخ قال : فنزلت هذه الآية ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء   )  . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد   ) قال : نزلت حين انطلق أشراف قريش  إلى أبي طالب  فكلموه في النبي - صلى الله عليه وسلم -  . 
وقوله ( إن هذا إلا اختلاق    ) يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل هؤلاء المشركين في القرآن : ما هذا القرآن إلا اختلاق : أي كذب اختلقه محمد  وتخرصه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا علي  قال : ثنا عبد الله  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله ( إن هذا إلا اختلاق   ) يقول : تخريص  . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،   [ ص: 155 ] عن مجاهد ،  في قوله ( إن هذا إلا اختلاق   ) قال : كذب  . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا حكام ،  عن عنبسة ،  عن محمد بن عبد الرحمن  عن القاسم بن أبي بزة  عن مجاهد   ( إن هذا إلا اختلاق   ) : يقول : كذب  . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( إن هذا إلا اختلاق   ) إلا شيء تخلقه  . 
حدثنا محمد بن الحسين  قال : ثنا أحمد بن المفضل  قال : ثنا أسباط ،  عن  السدي   ( إن هذا إلا اختلاق   ) اختلقه محمد   - صلى الله عليه وسلم -  . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد ،  في قوله ( إن هذا إلا اختلاق   ) قالوا : إن هذا إلا كذب  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					