القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن  الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن   ) 
يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 325 ]  ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم   ) النساء ( المؤمنات مهاجرات   ) من دار الكفر إلى دار الإسلام ( فامتحنوهن   ) وكانت محنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهن إذا قدمن مهاجرات كما حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  يونس بن بكير ،  عن قيس بن الربيع ،  عن الأغر بن الصباح ،  عن خليفة بن حصين ،  عن أبي نصر الأسدي ،  قال : سئل ابن عباس   : كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء؟ قال : كان يمتحنهن : بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا الحسن بن عطية ،  عن قيس ،  قال : أخبرنا الأغر بن الصباح ،  عن خليفة بن حصين ،  عن أبي نصر ،  عن ابن عباس ،  في ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن   ) قال : كانت المرأة إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفها بالله ما خرجت . . . ثم ذكر نحوه  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن الزهري ،  أن عائشة  قالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن المؤمنات إلا بالآية ، قال الله : ( إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ) ولا ولا" . 
حدثني  يونس بن عبد الأعلى ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : أخبرني يونس ،  عن ابن شهاب ،  قال : أخبرني عروة بن الزبير ،  أن عائشة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن بقول الله : ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك   ) . . . إلى آخر الآية ، قالت عائشة   : فمن أقر بهذا من المؤمنات ، فقد أقر بالمحبة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن : انطلقن  [ ص: 326 ] فقد بايعتكن ، ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، غير أنه بايعهن بالكلام; قالت عائشة   : والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط ، إلا بما أمره الله عز وجل ، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن : قد بايعتكن ، كلاما  . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات   ) . . . إلى قوله : ( عليم حكيم ) كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( فامتحنوهن   ) قال : سلوهن ما جاء بهن فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن ، أو سخطة ، أو غيره ، ولم يؤمن ، فارجعوهن إلى أزواجهن . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( فامتحنوهن   ) كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز ، وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله ، وحرص عليه ، فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : ( فامتحنوهن   ) قال : يحلفن ما خرجن إلا رغبة في الإسلام ، وحبا لله ورسوله . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن أبيه أو عكرمة   ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن   ) قال : يقال : ما جاء بك إلا حب الله ، ولا جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرار من زوجك ، فذلك قوله : ( فامتحنوهن ) . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد   : " كانت  [ ص: 327 ] المرأة من المشركين إذا غضبت على زوجها ، وكان بينه وبينها كلام ، قالت : والله لأهاجرن إلى محمد  صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال الله عز وجل : ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) إن كان الغضب أتى بها فردوها ، وإن كان الإسلام أتى بها فلا تردوها . 
حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : ثني عمرو بن الحارث ،  عن بكير بن الأشج ،  قال : كان امتحانهن : إنه لم يخرجك إلا الدين؟ . 
وقوله : ( الله أعلم بإيمانهن   ) يقول : الله أعلم بإيمان من جاء من النساء مهاجرات إليكم . 
وقوله : ( فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار   ) يقول : فإن أقررن عند المحنة بما يصح به عقد الإيمان لهن ، والدخول في الإسلام ، فلا تردوهن عند ذلك إلى الكفار . وإنما قيل ذلك للمؤمنين ، لأن العهد كان جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش في صلح الحديبية  أن يرد المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلما ، فأبطل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات فامتحن ، فوجدهن المسلمون مؤمنات ، وصح ذلك عندهم مما قد ذكرنا قبل ، وأمروا أن لا يردوهن إلى المشركين إذا علم أنهن مؤمنات ، وقال جل ثناؤه لهم : ( فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن   ) يقول : لا المؤمنات حل للكفار ، ولا الكفار يحلون للمؤمنات . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار . 
ذكر بعض ما روي في ذلك من الأثر : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا سلمة ،  عن محمد بن إسحاق ،  عن الزهري ،  قال : "دخلت على عروة بن الزبير ،  وهو يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيد  صاحب  الوليد بن عبد الملك ،  وكتب إليه يسأله عن قول الله عز وجل :  [ ص: 328 ]  ( إذا جاءك المؤمنات مهاجرات ) . . . إلى قوله : ( والله عليم حكيم ) وكتب إليه عروة بن الزبير   : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشا  عام الحديبية  على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه; فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام ، أبى الله أن يرددن إلى المشركين ، إذا هن امتحن محنة الإسلام ، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة فيه" . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					