القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام    ) 
قال أبو جعفر   : يعني جل ثناؤه بقوله : " ذلك" ، أي التمتع بالعمرة إلى الحج ، لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، كما : - 
3500 - حدثت عن عمار ،  قال : حدثنا ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن الربيع   : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " ، يعني المتعة أنها لأهل الآفاق ، ولا تصلح لأهل مكة   .  [ ص: 110 ] 
3501 - حدثني موسى ،  قال : حدثنا عمرو ،  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : أن هذا لأهل الأمصار ليكون عليهم أيسر من أن يحج أحدهم مرة ويعتمر أخرى ، فتجمع حجته وعمرته في سنة واحدة . 
ثم اختلف أهل التأويل في من عنى بقوله : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " ، بعد إجماع جميعهم على أن أهل الحرم معنيون به ، وأنه لا متعة لهم . 
فقال بعضهم : عنى بذلك أهل الحرم خاصة دون غيرهم . 
ذكر من قال ذلك : 
3502 - حدثنا ابن بشار ،  قال : حدثنا عبد الرحمن ،  قال : حدثنا سفيان ،  قال : قال ابن عباس  ومجاهد   : أهل الحرم . 
3503 - حدثني المثنى ،  قال : حدثنا الحماني ،  قال : حدثنا شريك ،  عن عبد الكريم ،  عن مجاهد   : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " ، قال : أهل الحرم  . 
3504 - حدثني المثنى ،  قال : حدثنا سويد بن نصر ،  قال : أخبرنا ابن المبارك ،  عن سفيان ،  قال : بلغنا عن ابن عباس  في قوله : " حاضري المسجد الحرام   " ، قال : هم أهل الحرم ، والجماعة عليه  . 
3505 - حدثنا بشر ،  قال : حدثنا يزيد ،  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة   : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " ، قال قتادة   : ذكر لنا أن ابن عباس  كان يقول : يا أهل مكة ،  إنه لا متعة لكم ، أحلت لأهل الآفاق وحرمت عليكم ، إنما يقطع أحدكم واديا أو قال : يجعل بينه وبين الحرم واديا ثم يهل بعمرة . 
3506 - حدثني المثنى ،  قال : حدثنا أبو صالح ،  قال : حدثنا الليث ،  قال : حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري   : أن أهل مكة  كانوا يغزون ويتجرون ، فيقدمون  [ ص: 111 ] في أشهر الحج ثم يحجون ، ولا يكون عليهم الهدي ولا الصيام ، أرخص لهم في ذلك ، لقول الله عز وجل : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " . 
3507 - حدثني أحمد بن حازم ،  قال : حدثنا أبو نعيم ،  قال : حدثنا سفيان ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد ،  قال : أهل الحرم . 
3508 - حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن ابن طاوس ،  عن أبيه ، قال : المتعة للناس ، إلا لأهل مكة  ممن لم يكن أهله من الحرم ، وذلك قول الله عز وجل : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " ، قال : وبلغني عن ابن عباس  مثل قول طاوس   . بالكلام 
وقال آخرون : عنى بذلك أهل الحرم ومن كان منزله دون المواقيت إلى مكة   . 
ذكر من قال ذلك : 
3509 - حدثنا ابن بشار ،  قال : حدثنا عبد الرحمن ،  قال : حدثنا  عبد الله بن المبارك ،  عن  عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ،  عن مكحول   : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " ، قال : من كان دون المواقيت  . 
3510 - حدثنا المثنى ،  قال : حدثنا سويد ،  قال : أخبرنا ابن المبارك  بإسناده مثله إلا أنه قال : ما كان دون المواقيت إلى مكة   . 
3511 - حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن رجل ، عن عطاء ،  قال : من كان أهله من دون المواقيت ، فهو كأهل مكة  لا يتمتع  .  [ ص: 112 ] 
وقال بعضهم : بل عنى بذلك أهل الحرم ، ومن قرب منزله منه . 
ذكر من قال ذلك : 
3512 - حدثنا ابن وكيع ،  قال : حدثني أبي ، عن سفيان ،  عن  ابن جريج ،  عن عطاء  في قوله : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " ، قال : عرفة ،  ومر ،  وعرنة ،  وضجنان ،  والرجيع ،  ونخلتان   . 
3513 - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري  والمثنى  قالا حدثنا أبو نعيم ،  قال : حدثنا سفيان ،  عن  ابن جريج ،  عن عطاء   : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " ، قال : عرفة  ومر ،  وعرنة ،  وضجنان ،  والرجيع   . 
3514 - حدثني المثنى ،  قال : حدثنا سويد ،  قال : أخبرنا ابن المبارك ،  عن معمر ،  عن الزهري  في هذه الآية قال : اليوم واليومين . 
3515 - حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  قال : سمعت الزهري  يقول : من كان أهله على يوم أو نحوه تمتع . 
3516 - حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا  ابن جريج ،  عن عطاء   : أنه جعل أهل عرفة  من أهل مكة  في قوله : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " . 
3517 - حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد  في قوله : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   " ، قال : أهل مكة  وفج  وذي طوى ،  وما يلي ذلك فهو من مكة   . 
قال أبو جعفر   : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا قول من قال : إن حاضري المسجد الحرام  من هو حوله ممن بينه وبينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصلوات . لأن "حاضر الشيء" ، في كلام العرب ، هو الشاهد له بنفسه . وإذا كان ذلك كذلك وكان لا يستحق أن يسمى"غائبا" ، إلا من كان مسافرا  [ ص: 113 ] شاخصا عن وطنه ، وكان المسافر لا يكون مسافرا إلا بشخوصه عن وطنه إلى ما تقصر في مثله الصلاة ، وكان من لم يكن كذلك لا يستحق اسم"غائب" عن وطنه ومنزله كان كذلك من لم يكن من المسجد الحرام على ما تقصر إليه الصلاة ، غير مستحق أن يقال : هو من غير حاضريه إذ كان الغائب عنه هو من وصفنا صفته . 
وإنما لم تكن المتعة لمن كان من حاضري المسجد الحرام ،  من أجل أن "التمتع" إنما هو الاستمتاع بالإحلال من الإحرام بالعمرة إلى الحج ، مرتفقا في ترك العود إلى المنزل والوطن بالمقام بالحرم حتى ينشئ منه الإحرام بالحج . وكان المعتمر متى قضى عمرته في أشهر الحج ، ثم انصرف إلى وطنه ، أو شخص عن الحرم إلى ما تقصر فيه الصلاة ، ثم حج من عامه ذلك ، بطل أن يكون مستمتعا ؛ لأنه لم يستمتع بالمرفق الذي جعل للمستمتع ، من ترك العود إلى الميقات ، والرجوع إلى الوطن بالمقام في الحرم . وكان المكي من حاضري المسجد الحرام لا يرتفق بذلك ، من أجل أنه متى قضى عمرته أقام في وطنه بالحرم ، فهو غير مرتفق بشيء مما يرتفق به من لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام فيكون متمتعا بالإحلال من عمرته إلى حجه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					