القول في تأويل قوله تعالى ( فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده    ) 
قال أبو جعفر   : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " فلما جاوزه هو " فلما جاوز النهر طالوت   . " والهاء " في " جاوزه " عائدة على النهر وهو كناية  [ ص: 346 ] اسم طالوت   . وقوله : " والذين آمنوا معه " يعني : وجاوز النهر معه الذين آمنوا . قالوا : لا طاقة لنا اليوم بجالوت  وجنوده . 
ثم اختلف في عدة من جاوز النهر معه يومئذ ، ومن قال منهم : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت  وجنوده " . 
فقال بعضهم : كانت عدتهم عدة أهل بدر : ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلا . 
ذكر من قال ذلك : 
5724 - حدثنا  هارون بن إسحاق الهمداني  قال : حدثنا مصعب بن المقدام  وحدثنا أحمد بن إسحاق  قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري  قالا جميعا : حدثنا إسرائيل  قال : حدثنا أبو إسحاق  ، عن  البراء بن عازب  قال : كنا نتحدث أن عدة أصحاب بدر  على عدة أصحاب طالوت  الذين جاوزوا النهر معه ، ولم يجز معه إلا مؤمن : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا  . 
5725 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا أبو بكر  قال : حدثنا أبو إسحاق  ، عن البراء  قال : كنا نتحدث أن أصحاب بدر يوم بدر  كعدة أصحاب طالوت   : ثلاثمائة رجل وثلاثة عشر رجلا الذين جاوزوا النهر .  [ ص: 347 ] 
5726 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا أبو عامر  قال : حدثنا سفيان  ، عن أبي إسحاق  ، عن البراء  قال : كنا نتحدث أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يوم بدر  ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا على عدة أصحاب طالوت  من جاز معه ، وما جاز معه إلا مؤمن . 
5727 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان  ، عن أبي إسحاق  ، عن البراء  بنحوه . 
5728 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا مؤمل  قال : حدثنا سفيان  ، عن أبي إسحاق  ، عن البراء  قال : كنا نتحدث أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يوم بدر  على عدة أصحاب طالوت  يوم جاوزوا النهر ، وما جاوز معه إلا مسلم . 
5729 - حدثنا أحمد بن إسحاق  قال : حدثنا أبو أحمد  قال : حدثنا مسعر  ، عن أبي إسحاق  ، عن البراء  مثله . 
5730 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  ، عن قتادة  قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يوم بدر   : أنتم بعدة  [ ص: 348 ] أصحاب طالوت  يوم لقي  . وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر  ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا . 
5731 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن الربيع  قال : محص الله الذين آمنوا عند النهر ، وكانوا ثلاثمائة ، وفوق العشرة ودون العشرين ، فجاء داود   - صلى الله عليه وسلم - فأكمل به العدة  . 
وقال آخرون : بل جاوز معه النهر أربعة آلاف ، وإنما خلص أهل الإيمان منهم من أهل الكفر والنفاق ، حين لقوا جالوت   . 
ذكر من قال ذلك : 
5732 - حدثني موسى بن هارون  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي  قال : عبر مع طالوت  النهر من بني إسرائيل  أربعة آلاف ، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه فنظروا إلى جالوت ،  رجعوا أيضا وقالوا : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده   " . فرجع عنه أيضا ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون ، وخلص في ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر   . 
5733 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  قال : قال ابن عباس   : لما جاوزه هو والذين آمنوا معه ، قال الذين شربوا : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده   " . 
قال أبو جعفر   : وأولى القولين في ذلك بالصواب ما روي عن ابن عباس  وقاله  السدي   ; وهو أنه جاوز النهر مع طالوت  المؤمن الذي لم يشرب من النهر إلا الغرفة ، والكافر الذي شرب منه الكثير . ثم وقع التمييز بينهم بعد ذلك برؤية جالوت   [ ص: 349 ] ولقائه ، وانخزل عنه أهل الشرك والنفاق وهم الذين قالوا : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده   " ومضى أهل البصيرة بأمر الله على بصائرهم ، وهم أهل الثبات على الإيمان ، فقالوا : " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين   " . 
فإن ظن ذو غفلة أنه غير جائز أن يكون جاوز النهر مع طالوت  إلا أهل الإيمان الذين ثبتوا معه على إيمانهم ، ومن لم يشرب من النهر إلا الغرفة ؛ لأن الله - تعالى ذكره - قال : " فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه   " فكان معلوما أنه لم يجاوز معه إلا أهل الإيمان على ما روي به الخبر عن  البراء بن عازب  ؛ ولأن أهل الكفر لو كانوا جاوزوا النهر كما جاوزه أهل الإيمان ، لما خص الله بالذكر في ذلك أهل الإيمان فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن . وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الفريقان - أعني فريق الإيمان وفريق الكفر جاوزوا النهر ، وأخبر الله نبيه محمدا   - صلى الله عليه وسلم - عن المؤمنين بالمجاوزة ؛ لأنهم كانوا من الذين جاوزوه مع ملكهم وترك ذكر أهل الكفر ، وإن كانوا قد جاوزوا النهر مع المؤمنين . 
والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك قول الله - تعالى ذكره - : " فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله   " فأوجب الله - تعالى ذكره - أن " الذين يظنون أنهم ملاقو الله   " هم الذين قالوا عند مجاوزة النهر : " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله   " دون غيرهم الذين لا يظنون أنهم ملاقو  [ ص: 350 ] الله - وأن " الذين لا يظنون أنهم ملاقو الله " هم الذين قالوا : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت  وجنوده " . وغير جائز أن يضاف الإيمان إلى من جحد أنه ملاقي الله ، أو شك فيه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					