( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون    ( 84 ) ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون    ( 85 ) وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين    ( 86 ) . 
( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون    ( 87 ) لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون    ( 88 ) أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم    ( 89 ) وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم    ( 90 ) . 
( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا    ) الآية . قال أهل التفسير : بعث عبد الله بن أبي ابن سلول  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض ، فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أهلكك حب اليهود؟  فقال : يا رسول الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني ، إنما بعثت إليك لتستغفر لي ، وسأله أن يكفنه في قميصه ويصلي عليه . 
أخبرنا عبد الواحد المليحي ،  حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي  ، حدثنا محمد بن يوسف  ، حدثنا  محمد بن إسماعيل  ، حدثنا يحيى بن بكير  ، حدثني الليث  ، عن عقيل  ، عن ابن شهاب  عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس  ، عن  عمر بن الخطاب  رضي الله عنهم أنه قال : لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول   دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه ، فقلت : يا رسول الله أتصلي على ابن أبي ابن سلول  وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ أعدد عليه قوله ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " أخر عني يا عمر    " فلما أكثرت عليه قال : إني خيرت فاخترت ، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها ، قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره    ) إلى قوله : ( وهم فاسقون    ) قال : فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، والله ورسوله أعلم . 
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي  ، حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي  ، أنبأنا محمد بن يوسف  ، حدثنا  محمد بن إسماعيل  ، حدثنا علي بن عبد الله  ، حدثنا سفيان  قال عمرو    : سمعت جابر بن عبد الله قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي  بعدما أدخل في حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث في فيه من ريقه وألبسه قميصه . فالله أعلم وكان كسا عباسا  قميصا . 
قال سفيان    : وقال هارون :  وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصان فقال ابن عبد الله    : يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك . 
وروي عن جابر  قال : لما كان يوم بدر  أتي بالعباس  ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن   [ ص: 82 ] أبي  يقدر عليه ، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه ، فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه عبد الله . قال ابن عيينة    : كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد فأحب أن يكافئه . 
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم فيما فعل بعبد الله بن أبي  فقال صلى الله عليه وسلم : " وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله شيئا والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه " ، وروي أنه أسلم به ألف من قومه لما رأوه يتبرك بقميص النبي صلى الله عليه وسلم   . 
قوله : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره    )  ولا تقف عليه ، ولا تتول دفنه ، من قولهم : قام فلان بأمر فلان : إذا كفاه أمره . ( إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون    ) فما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدها على منافق ولا قام على قبره حتى قبض . 
قوله تعالى : " ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون    " 
( وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم    ) ذوو الغنى والسعة منهم في القعود ، ( وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين    ) في رحالهم . 
( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف    ) يعني النساء . وقيل : مع أدنياء الناس وسفلتهم . يقال : فلان خالفة قومه إذا كان دونهم . ( وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون    ) . 
( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات    ) يعني :   [ ص: 83 ] الحسنات ، وقيل : الجواري الحسان في الجنة . قال الله تعالى : ( فيهن خيرات حسان    ) ، جمع خيرة وحكي عن ابن عباس    : أن الخير لا يعلم معناه إلا الله كما قال جل ذكره : " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين    " ( السجدة - 17 ) . ( وأولئك هم المفلحون    ) 
قوله تعالى : ( وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم    ) الآية ، قرأ يعقوب  ومجاهد    : ( المعذرون ) بالتخفيف وهم المبالغون في العذر ، يقال في المثل : " لقد أعذر من أنذر " أي : بالغ في العذر من قدم النذارة ، وقرأ الآخرون " المعذرون " بالتشديد أي : المقصرون ، يقال : عذر أي : قصر ، وقال الفراء    : المعذرون المعتذرون أدغمت التاء في الذال ونقلت حركة التاء إلى العين . 
وقال الضحاك :  المعذرون هم رهط عامر بن الطفيل  جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعا عن أنفسهم فقالوا : يا نبي الله إن نحن غزونا معك تغير أعراب طيئ  على حلائلنا وأولادنا ومواشينا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أنبأني الله من أخباركم وسيغني الله عنكم "   . 
وقال ابن عباس    : هم الذين تخلفوا بعذر بإذن رسول الله  صلى الله عليه وسلم . 
( وقعد الذين كذبوا الله ورسوله    ) يعني : المنافقين . 
قال أبو  عمرو بن العلاء :  كلا الفريقين كان مسيئا قوم تكلفوا عذرا بالباطل ، وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله : ( وجاء المعذرون    ) وقوم تخلفوا عن غير تكلف عذر فقعدوا جرأة على الله تعالى ، وهم   [ ص: 84 ] المنافقون فأوعدهم الله بقوله : ( سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم    ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					