[ ص: 206 ]   ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين    ( 116 ) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون    ( 117 ) . ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين    ( 118 ) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين    ( 119 ) . 
قوله عز وجل : ( فلولا ) فهلا ( كان من القرون    ) التي أهلكناهم ( من قبلكم ) والآية للتوبيخ ( أولو بقية    ) أي : أولو تمييز . وقيل : أولو طاعة . وقيل : أولو خير . يقال : فلان ذو بقية إذا كان فيه خير . معناه : فهلا كان من القرون من قبلكم من فيه خير ينهى عن الفساد في الأرض ؟ [ وقيل : معناه أولو بقية من خير . يقال : فلان على بقية من الخير إذا كان على خصلة محمودة ] . 
  ( ينهون عن الفساد في الأرض    )  أي يقومون بالنهي عن الفساد ، ومعناه جحد ، أي : لم يكن فيهم أولو بقية . ( إلا قليلا ) هذا استثناء منقطع معناه : لكن قليلا ( ممن أنجينا منهم    ) وهم أتباع الأنبياء كانوا ينهون عن الفساد في الأرض . ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا    ) نعموا ( فيه ) والمترف : المنعم . وقال مقاتل بن حيان    : خولوا . وقال الفراء    : [ عودوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا ] أي : واتبع الذين ظلموا ما عودوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا على الآخرة . ( وكانوا مجرمين    ) كافرين . 
( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم    ) أي : لا يهلكهم بشركهم ( وأهلها مصلحون    ) فيما بينهم يتعاطون الإنصاف ولا يظلم بعضهم بعضا ، وإنما يهلكهم إذا تظالموا ، وقيل : لا يهلكهم بظلم منه وهم مصلحون في أعمالهم ، ولكن يهلكهم بكفرهم وركوبهم السيئات . 
قوله عز وجل : ( ولو شاء ربك لجعل الناس    ) كلهم ( أمة واحدة ) على دين واحد . ( ولا يزالون مختلفين    ) على أديان شتى من بين يهودي ونصراني ، ومجوسي ، ومشرك . 
( إلا من رحم ربك    ) معناه : لكن من رحم ربك فهداهم إلى الحق ، فهم لا يختلفون ( ولذلك خلقهم    ) قال الحسن ،   وعطاء    : وللاختلاف خلقهم . وقال أشهب    : سألت  مالكا  عن هذه الآية ، فقال : خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير .   [ ص: 207 ] 
وقال أبو عبيدة    : الذي أختاره قول من قال : خلق فريقا لرحمته وفريقا لعذابه . 
وقال ابن عباس ،  ومجاهد ،  وقتادة ،  والضحاك    : وللرحمة خلقهم ، يعني الذين رحمهم . 
وقال الفراء    : خلق أهل الرحمة للرحمة ، وأهل الاختلاف للاختلاف . 
وحاصل الآية : أن أهل الباطل مختلفون ، وأهل الحق متفقون ، فخلق الله أهل الحق للاتفاق ، وأهل الباطل للاختلاف . 
( وتمت كلمة ربك ) وتم حكم ربك ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					