[ ص: 784 ] ثم دخلت سنة إحدى وثلاثمائة من الهجرة النبوية  
فيها غزا الحسين بن حمدان  الصائفة ففتح حصونا كثيرة من بلاد الروم وقتل أمما لا يحصون كثرة . 
وفيها عزل المقتدر  محمد بن عبيد الله  عن وزارته وقلدها علي بن عيسى ،  وكان من خيار الوزراء وأقصدهم للعدل والإحسان واتباع الحق . 
وفيها كثرت الأمراض الدموية ببغداد  في تموز وآب فمات من ذلك خلق كثير وجم غفير من أهلها . 
وفيها وصلت هدايا صاحب عمان  وفيها ببغة بيضاء وغزال أسود . 
وفي شعبان منها ركب المقتدر  إلى باب الشماسية على الخيل ثم انحدر إلى داره في دجلة ، وكانت أول ركبة ركبها جهرة للعامة . 
وفيها استأذن الوزير علي بن عيسى  الخليفة المقتدر  في مكاتبة رأس القرامطة  أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي  ،  فأذن له ، فكتب إليه كتابا طويلا يدعوه فيه إلى   [ ص: 785 ] السمع والطاعة ويوبخه على ما يتعاطاه أصحابه من ترك الصلوات والزكوات وارتكاب المنكرات وإنكارهم على من يذكر الله ويسبحه ويحمده واستهزائهم بالدين واسترقاقهم الحرائر ثم توعده بالحرب وتهدده بالقتل ، فلما سار بالكتاب نحوه ، قتل أبو سعيد  قبل أن يصله ، قتله بعض خدمه وعهد بالأمر من بعده لولده سعيد ، فغلبه على ذلك أخوه أبو طاهر سليمان بن أبى سعيد ،  فلما قرأ كتاب الوزير إليهم أجابه بما حاصله : إن هذا الذي تنسب إلينا مما ذكرتم لم يثبت عندكم إلا من طريق من يشنع علينا ، وإذا كان الخليفة ينسبنا إلى الكفر بالله فكيف يدعونا إلى السمع والطاعة له ؟ 
وفيها جيء بالحسين بن منصور الحلاج   إلى بغداد  وهو مشهور على جمل وغلام له راكب جملا آخر ينادي عليه : هذا أحد دعاة القرامطة  فاعرفوه . ثم حبس ثم أحضر إلى مجلس الوزير فناظره فإذا هو لا يقرأ القرآن ولا يعرف من الحديث ولا الفقه ولا اللغة ولا الأخبار ولا الشعر شيئا ، وكان الذي نقم عليه أنه وجدت له رقاع يدعو فيها الناس إلى الضلالة والجهالة بأنواع من الرموز ، يقول في مكاتباته كثيرا : تبارك ذو النور الشعشعاني ،  فقال له الوزير علي بن عيسى    : تعلمك الطهور والفروض أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها وما أحوجك إلى الأدب ، ثم أمر به فصلب حيا صلب الاشتهار لا القتل ، ثم أنزل فأجلس في دار الخلافة ، فجعل يظهر لهم أنه على السنة وأنه زاهد حتى اغتر به كثير من الخدام وغيرهم من أهل دار الخلافة من الجهلة والطغام حتى صاروا يتبركون به ويتمسحون بثيابه . وسيأتي ما صار إليه أمره   [ ص: 786 ] حتى قتل بإجماع الفقهاء . 
ووقع في هذه السنة في آخرها ببغداد  وباء شديد جدا  مات بسببه بشر كثير ولا سيما بالحربية ، غلقت عامة دورها . 
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					