[ ص: 407 ] إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا   
تعليل للنهي عن إطاعتهم في قوله ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا    ) ، أي لأن خلقهم الانصباب على الدنيا مع الإعراض عن الآخرة إذ هم لا يؤمنون بالبعث فلو أعطاهم لتخلق بخلقهم قال تعالى ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء    ) الآية . فموقع ( إن ) موقع التعليل وهي بمنزلة فاء السببية كما نبه عليه  الشيخ عبد القاهر    . 
و ( هؤلاء ) إشارة إلى حاضرين في ذهن المخاطب لكثرة الحديث عنهم ، وقد استقريت من القرآن أنه إذا أطلق ( هؤلاء ) دون سبق ما يكون مشارا إليه فالمقصود به المشركون ، وقد ذكرت ذلك في تفسير قوله تعالى ( فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) في سورة الأنعام وقوله تعالى ( فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء    ) في سورة هود . 
وقد تنزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن محبة الدنيا  فقال ما لي وللدنيا فليس له محبة لأمورها عدا النساء والطيب كما قال حبب إلي من دنياكم النساء والطيب   . 
فأما النساء فالميل إليهن مركوز في طبع الذكور ، وما بالطبع لا يتخلف ، وفي الأنس بهن انتعاش للروح فتناوله محمود إذا وقع على الوجه المبرأ من الإيقاع في فساد وما هو الأمثل تناول الطعام وشرب الماء قال تعالى ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية    ) . 
وأما الطيب فلأنه مناسب للتزكية النفسية . 
وصيغة المضارع في يحبون تدل على تكرر ذلك ، أي أن ذلك دأبهم وديدنهم لا يشاركون مع حب العاجلة حب الآخرة ، والعاجلة : صفة لموصوف محذوف معلوم من المقام تقديره : الحياة العاجلة ، أو الدار العاجلة . والمراد بها مدة الحياة الدنيا . 
وكثر في القرآن إطلاق العاجلة على الدنيا  كقوله ( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة    ) فشاع بين المسلمين تسمية الدنيا بالعاجلة . 
 [ ص: 408 ] ومتعلق يحبون مضاف محذوف ، تقديره : نعيم أو منافع لأن الحب لا يتعلق بذات الدنيا . 
وفي إيثار ذكر الدنيا بوصف العاجلة توطئة للمقصود من الذم لأن وصف العاجلة يؤذن بأنهم آثروها لأنها عاجلة . وفي ذلك تعريض بتحميقهم إذ رضوا بالدون لأنه عاجل وليس ذلك من شيم أهل التبصر ، فقوله ( ويذرون وراءهم يوما ثقيلا    ) واقع موقع التكميل لمناط ذمهم وتحميقهم لأنهم لو أحبوا الدنيا مع الاستعداد للآخرة لما كانوا مذمومين قال تعالى حكاية لقول الناصحين لقارون    ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا    ) . وهذا نظير قوله تعالى ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون    ) إذ كان مناط الذم فيه هو أن قصروا أنفسهم على علم أمور الدنيا مع الإعراض عن العلم بالآخرة . د 
ومثلوا بحال من يترك شيئا وراءه فهو لا يسعى إليه وإنما يسعى إلى ما بين يديه . 
وإنما أعرضوا عنه لأنهم لا يؤمنون بحلوله فكيف يسعون إليه . 
وصيغة المضارع في يذرون تقتضي أنهم مستمرون على ذلك وأن ذلك متجدد فيهم ومتكرر لا يتخلفون عن ذلك الترك لأنهم لا يؤمنون بحلول ذلك اليوم ، فالمسلمون لا يذرون وراءهم هذا اليوم لأنهم لا يخلون من عمل له على تفاوت بينهم في التقوى . 
واليوم الثقيل : هو يوم القيامة ،  وصف بالثقيل على وجه الاستعارة لشدة ما يحصل فيه من المتاعب والكروب فهو كالشيء الثقيل الذي لا يستطاع حمله . 
والثقل : يستعار للشدة والعسر قال تعالى ( ثقلت في السماوات والأرض    ) وقال ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا    ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					