قوله تعالى : فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين     . 
أمر - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية بأمرين : أحدهما قوله : فسبح بحمد ربك    [ 15 \ 98 ] ، والثاني قوله : وكن من الساجدين    [ 15 \ 98 ] . 
وقد كرر تعالى في كتابه الأمر بالشيئين المذكورين في هذه الآية الكريمة ، كقوله في الأول : فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا    [ 110 \ 3 ] ، وقوله : فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها    [ 20 \ 130 ] ، وقوله : فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار    [ 40 \ 55 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة . 
وأصل التسبيح في اللغة    : الإبعاد عن السوء . ومعناه في عرف الشرع : تنزيه الله   [ ص: 322 ]   - جل وعلا - عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله . ومعنى : " سبح " : نزه ربك - جل وعلا - عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله . وقوله بحمد ربك  ، أي في حال كونك متلبسا بحمد ربك ، أي : بالثناء عليه بجميع ما هو أهله من صفات الكمال والجلال ; لأن لفظة : بحمد ربك  أضيفت إلى معرفة فتعم جميع المحامد من كل وصف كمال وجلال ثابت لله - جل وعلا - . فتستغرق الآية الكريمة الثناء بكل كمال ; لأن الكمال يكون بأمرين : 
أحدهما : التخلي عن الرذائل ، والتنزه عما لا يليق ، وهذا معنى التسبيح . 
والثاني التحلي بالفضائل والاتصاف بصفات الكمال ، وهذا معنى الحمد ، فتم الثناء بكل كمال . 
ولأجل هذا المعنى ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم   ) ) ، وكقوله في الثاني وهو السجود : كلا لا تطعه واسجد واقترب    [ 96 \ 19 ] ، وقوله : ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا    [ 76 \ 26 ] ، وقوله : واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون    [ 41 \ 37 ] ، ويكثر في القرآن العظيم إطلاق التسبيح على الصلاة . 
وقالت جماعة من العلماء : المراد بقوله : فسبح بحمد ربك    [ 15 \ 98 ] ، أي : صل له ، وعليه فقوله : وكن من الساجدين  ، من عطف الخاص على العام ، والصلاة تتضمن غاية التنزيه ومنتهى التقديس . وعلى كل حال فالمراد بقوله : وكن من الساجدين  ، أي : من المصلين ، سواء قلنا إن المراد بالتسبيح الصلاة ، أو أعم منها من تنزيه الله عما لا يليق به ; ولأجل كون المراد بالسجود الصلاة لم يكن هذا الموضع محل سجدة عند جمهور العلماء ، خلافا لمن زعم أنه موضع سجود . 
قال القرطبي  في تفسيره : قال ابن العربي    : ظن بعض الناس أن المراد بالأمر هنا السجود نفسه ، فرأى هذا الموضع محل سجود في القرآن ، وقد شاهدت الإمام بمحراب زكريا  من البيت المقدس    - طهره الله - يسجد في هذا الموضع ، وسجدت معه فيه ، ولم يره جماهير العلماء . 
قلت : قد ذكر  أبو بكر النقاش    : أن هاهنا سجدة عند أبي حذيفة  ويمان بن رئاب  ، ورأى أنها واجبة . انتهى كلام القرطبي    . 
وقد تقدم معنى السجود في سورة ( ( الرعد ) ) ، وعلى أن المراد بالتسبيح الصلاة ; فالمسوغ لهذا الإطناب الذي هو عطف الخاص على العام هو أهمية السجود ; لأن أقرب   [ ص: 323 ] ما يكون العبد من ربه في حال كونه في السجود . 
قال مسلم  في صحيحه : وحدثنا  هارون بن معروف  ، وعمرو بن سواد  ، قالا : حدثنا  عبد الله بن وهب  ، عن  عمرو بن الحارث  ، عن  عمارة بن غزية  ، عن  سمي مولى أبي بكر  ، أنه سمع  أبا صالح ذكوان  يحدث عن  أبي هريرة    : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :   " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ; فأكثروا الدعاء "   . 
تنبيه 
اعلم أن ترتيبه - جل وعلا - الأمر بالتسبيح والسجود على ضيق صدره - صلى الله عليه وسلم - بسبب ما يقولون له من السوء ، دليل على أن الصلاة والتسبيح سبب لزوال  ذلك المكروه ; ولذا كان - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة . وقال تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة  الآية [ 2 \ 45 ] . 
ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد  ، وأبو داود  ،  والنسائي  ، من حديث نعيم بن همار    - رضي الله عنه - : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله تعالى : يا ابن آدم  ، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " ، فينبغي للمسلم إذا أصابه مكروه ; أن يفزع إلى الله تعالى بأنواع الطاعات من صلاة وغيرها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					