[ ص: 197 ] النوع السادس والثلاثون  
في  معرفة المحكم من المتشابه   
قال الله تعالى :  منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات      ( آل عمران : 7 )      [ ص: 198 ]  [ ص: 199 ] قيل : ولا يدل على الحصر في هذين الشيئين ، فإنه ليس فيه شيء من الطرق الدالة عليه ، وقد قال :  لتبين للناس ما نزل إليهم      ( النحل : 44 ) والمتشابه لا يرجى بيانه ، والمحكم لا توقف معرفته على البيان .  
وقد حكى  الحسين بن محمد بن حبيب النيسابوري  في هذه المسألة ثلاثة أقوال :  
أحدها : أن القرآن كله محكم ، لقوله تعالى :  كتاب أحكمت آياته      ( هود : 1 ) .  
والثاني : كله متشابه لقوله تعالى :  الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها      ( الزمر : 23 ) .  
والثالث : - وهو الصحيح - أن منه محكما ومنه متشابها ، لقوله تعالى :  منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات      ( آل عمران : 7 ) .  
فأما المحكم فأصله لغة : المنع ; تقول : أحكمت بمعنى رددت ومنعت ، والحاكم لمنعه الظالم من الظلم ، وحكمة اللجام هي التي تمنع الفرس من الاضطراب .  
وأما في الاصطلاح فهو ما أحكمه في الأمر والنهي وبيان الحلال والحرام .  
وقيل : هو مثل قوله تعالى :  وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة      ( البقرة : 43 ) .  
وقيل : هو الذي لم ينسخ لقوله تعالى :  قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم      ( الأنعام : 151 ) ، وقوله :  وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه      ( الإسراء : 23 ) إلى آخر الآيات . وهي سبعة عشر حكما مذكورة في سورة الأنعام وفي سورة بني إسرائيل .  
وقيل : هو الناسخ .  
وقيل : الفرائض والوعد والوعيد .  
وقيل : الذي وعد عليه ثوابا أو عقابا ، وقيل : الذي تأويله تنزيله بجعل القلوب تعرفه عند سماعه ، كقوله :  قل هو الله أحد      ( الإخلاص : 1 )      [ ص: 200 ] و  ليس كمثله شيء      ( الشورى : 11 ) .  
وقيل : ما لا يحتمل في التأويل إلا وجها واحدا .  
وقيل : ما تكرر لفظه .  
وأما المتشابه ; فأصله أن يشتبه اللفظ في الظاهر مع اختلاف المعاني ، كما قال تعالى في وصف ثمر الجنة :  وأتوا به متشابها      ( البقرة : 25 ) ; أي متفق المناظر ، مختلف الطعوم ، ويقال للغامض : متشابه ، لأن جهة الشبه فيه كما تقول لحروف التهجي . والمتشابه مثل المشكل ; لأنه أشكل ، أي دخل في شكل غيره وشاكله .  
واختلفوا فيه فقيل : هو المشتبه الذي يشبه بعضه بعضا . وقيل : هو المنسوخ الغير معمول به . وقيل : القصص والأمثال . وقيل : ما أمرت أن تؤمن به وتكل علمه إلى عالمه . وقيل : فواتح السور . وقيل : ما لا يدرى إلا بالتأويل ، ولا بد من صرفه إليه ; كقوله :  تجري بأعيننا      ( القمر : 14 ) ، و  على ما فرطت في جنب الله      ( الزمر : 56 ) . وقيل : الآيات التي يذكر فيها وقت الساعة ، ومجيء الغيث ، وانقطاع الآجال ; كقوله :  إن الله عنده علم الساعة      ( لقمان : 34 ) وقيل : ما يحتمل وجوها ، والمحكم ما يحتمل وجها واحدا . وقيل : ما لا يستقل بنفسه ، إلا برده إلى غيره . وقيل : غير ذلك ، وكلها متقارب .  
وفصل الخطاب في ذلك أن الله سبحانه وتعالى قسم الحق بين عباده ، فأولاهم بالصواب من عبر بخطابه عن حقيقة المراد ; قال سبحانه :  وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون      ( النحل : 44 ) ، ثم قال :  ثم إن علينا بيانه      ( القيامة : 19 ) أي على لسانك وألسنة العلماء من أمتك ، وكلام السلف راجع إلى المشتبه بوجه لا إلى المقصود المعبر عنه بالمتشابه في خطابه ; لأن المعاني إذا دقت تداخلت وتشابهت على من لا علم له بها ; كالأشجار إذا تقارب بعضها من بعض تداخلت أمثالها واشتبهت ; أي أشكلت على من لم يمعن النظر في البحث عن منبعث كل فن منها ، قال      [ ص: 201 ] تعالى :  وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات      ( الأنعام : 141 ) إلى قوله : (  متشابها      ) وهو على اشتباكه غير متشابه . وكذلك سياق معاني القرآن العزيز قد تتقارب المعاني ويتقدم الخطاب بعضه على بعض ، ويتأخر بعضه عن بعض ; لحكمة الله تعالى في ترتيب الخطاب والوجود ، فتشتبك المعاني وتشكل إلا على أولي الألباب ، فيقال في هذا الفن متشابه بعضه ببعض .  
وأما المتشابه من القرآن العزيز فهو يشابه بعضه بعضا في الحق والصدق والإعجاز والبشارة والنذارة وكل ما جاء به وأنه من عند الله ، فذم سبحانه الذين يتبعون ما تشابه منه عليهم افتتانا وتضليلا ، فهم بذلك يتبعون ما تشابه منه عليهم تناصرا وتعاضدا للفتنة والإضلال .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					